الكاتب: حسين الرواشدة
لا يخطر في بال أي صحفي محترم أن يصف السادة النواب بأن منهم اشخاصا من فصيلة الدواعش، وحين كنا ننتقد اداء وسلوكيات بعض النواب كنا نقول انهم اخطأوا هنا وهناك، لكن دون اي تجريح او اساءة، لا لاشخاصهم ولا للمجلس الكريم .
امس، سمعنا احد النواب يتهجم على قطاع من الصحفيين ويصف بعضهم بـ” الدواعش” تارة، وبـ”المتطفلين” تارة اخرى، الحديث جاء – بالطبع – في سياق لقاء نظمته لجنة التوجيه الوطني في البرلمان وحضره عدد من الاعلاميين، اما الخلفية فهي ما حدث في جلسات المجلس من “ نهفات “ التقطتها كاميرات المصورين واصبحت حديث الناس، حيث تطايرت الاوراق بين النواب والوزراء محملة بالتطمينات او الطلبات الخاصة، وحيث تم رصد “ غفوة “ احدهم وسؤالا وجهته نائبة لزميلتها عن “ الملوخية “ .
اترك للقارئ الكريم التعليق على فكرة “ الدعشنة “ التي يبدو انها اصبحت موضة رائجة يطلقها من يشاء على من يشاء، ولست ايضا بصدد الرد على تهمة المتطفلين والمبتزين التي الصقت ببعض الصحفيين، باعتبار ذلك من مهمة نقابة الصحفيين التي يتوجب عليها الدفاع عن حقوق وكرامة المنتسبين اليها، كما انني لا اريد ان اذكر النائب الكريم واخرين استسهلوا الهجوم على المهنة واصحابها باخلاقيات العمل السياسي واداب الاختلاف، ولا ايضا بمقتضيات اصدار الاتهامات ابتداء من الدليل والبرهان، وانتهاء باعتبار المتهم بريئا حتى تثبت ادانته .
لكن لدي ثلاث ملاحظات اساسية استاذن بتسجيلها، الاولى تتعلق بالشأن العام والشأن الخاص فيما يتعلق بمن يتولى المسؤولية العامة، ذلك ان حدود الشأن الخاص ينتهي بمجرد ممارسة المسؤول لوظيفته، وفي حالة النواب المحترمين فان مجرد جلوسهم تحت القبة يضعهم في دائرة المجال العام، وهو المجال الذي يسمح للمراقب، سواء اكان صحفيا ام من الجالسين على مقاعد المتفرجين ان يتابع تفاصيل واداء وسلوكيات النواب بالكامل، ولا يجوز لاي نائب ان يتحجج بانه يمارس تحت القبة شأنا خاصا اذا ما التقطته كاميرا مصور او عين صحفي، ولا فرق هنا بين الاداء والسلوك فكلاهما يعبر عن حالة وظيفية عامة يفترض ان تكون تحت مرأى الجميع، وان تخضع للنقد، ناهيك على انها تخضع للمحاسبة ايضا، حتى ولو كانت رسالة من نائب لزميله، ما دام ان قاعدة السلوك والاداء معا يجب ان تتطابق مع قاعدة الواجب النيابي او مع مقتضيات ممارسة الشأن العام، حيث لا يتوقع احد ان يمارس النائب تحت القبة اي عمل يمكن ان يخجل منه .
الملاحظة الثانية ترتبط بالعلاقة بين النواب والاعلام، وهي علاقة ملتبسة واشكالية، وقد كانت، ولا تزال، مسكونة بهواجس الخوف والقلق والتوتر ايضا صحيح ان اطرافا في كلا المجالين تعمدوا الدخول على الخط لتشويه هذه العلاقة وتفخيخها، كما ان اطرافا اخرى من خارج (الحقل) استغلت الاعلام لتوجيه ما يلزم من ضربات لبعض النواب سواء لتصفية الحسابات معهم او لتخويف غيرهم من فتح ملفات مسكوت عليها، او لابقاء المجلس جاهزا تحت الطلب وفي متناول اليد ايضا، لكن الصحيح هو .
الاصل في العلاقة بين الاعلام ومجلس النواب ان تكون مبنية على التفاهم وتقاسم الادوار وتقدير المسؤوليات، ناهيك عن الاحترام المتبادل فالاعلامي يمارس مهمته في ظل تشريعات ومواثيق شرف تلزمه التعامل بموضوعية ومهنية مع “الخبر” مهما كان مصدره، وتتيح له حرية المراقبة والنقد وابداء الرأي فيما يتعلق بالشأن العام بعيداً عن الحسابات الشخصية او الاعتبارات الخاصة. اما النواب فيمارسون مهمتهم الرقابية والتشريعية وهم يدركون ان عيون الرأي العام تراقبهم من خلال الاعلام، وبالتالي فان الاعلامي يتحمل واجب اطلاع الجمهور على حركة النواب وادائهم، وهذه ان كانت مهمة الاعلام فهي من حق النواب والجمهور ايضا، ذلك ان مجلس النواب، بخلاف الحكومة، هو خيار الناس وافرازهم، وهو يمثلهم ايضا، وبالتالي فان من حق هؤلاء ان يراقبوا اداءه، وان يتابعوا ما يدور فيه، وما يتخذه من قرارات، ولا يمكن ان يتحقق ذلك دون وجود “اعلام” مهني وموضوعي غير مقيد بأية شروط او تفاهمات.
تبقى الملاحظة الثالثة وهي ذات شقين، احدهما يتعلق بدور نقابة الصحفيين في ضبط ايقاع العمل الصحفي، وفي الرقابة والمحاسبة لحماية المجتمع اولا والعاملين في المجال العام ثانيا، من اي تجاوزات يمكن ان يمارسها الصحفي، ومن المفترض ايضا ان يكون كل من يمارس مهنة الصحافة عضوا في النقابة لكي يكون لدينا مرجعية مهنية واخلاقية نستند اليها اذا ما حصل اي تجاوز، اضافة الى دورها في الدفاع عن منتسبيها ضد الاساءات التي توجه اليهم، اما الشق الثاني فيتعلق بالنواب الذين يبدو انهم وجدوا في “ الاعلام “ مركبا متاحا لتحميل اخطائهم عليه، وهنا لابد ان يدرك اخواننا النواب ان الاعلام يمارس دوره المطلوب منه بموجب الانظمة والتعليمات التي تسمح له بذلك، وبالتالي فان “ دعشنته “ او “ شيطنته “ ليست اكثر من محاولة للهروب من الرقابة الشعبية وتزيين الصورة والتغطية عليها، فالاعلام يعكس الصورة فقط، واذا كان النواب جادين في اشهار اداء جيد يحتظى بثقة من انتخبهم فليفعلوا ذلك، وسيجدون صورتهم امام الاعلام وامام الجمهور افضل ما يكون، اما اذا فعلوا العكس فيفترض ان يلوموا انفسهم، لا ان يلوموا الصحفيين .
عن الدستور