علمني وطني بأن دماء الشهداء هي التي
ترسم حدود الوطن، وأن لأمي رحم من المحبة يولد جيشا من العشاق والشهداء. ومن أشرعة
الإختلاف ولدنا، ورضعنا ذات الحليب الذي وحدنا بقرار من حاراتنا القديمة والجيرة
والمصاهرة والمصير واللهجة وسحنة الجباه التي تشابهت وتطابقت حين معركة مشتركة،
ورد عدوان واحد، توحدنا دون قرار من الجامعة العربية ودون قرار من الامم المتحدة
التي ما زالت تكتبنا لديها مختلفين، وحدتنا تكويعة الكاف في شمال فلسطين والواو
نصف المستديرة في شمال الاردن، وحفيد شقيقتي الذي وُلد من أب حوراني من الطرة وأم
خليلية من القواسمي، وحدتنا الجلسات والسروال المعدل « أبو دكة « ليكون مشتركا بين
حطين الغافية على ساحل طبريا والرمثا الغافية على جنبات سهل حوران، ووحدنا أن بيت
نبالا وبديا ويطا وعمراوة والياروت والمزار تتشابه في حمرة الأرض والزهر العذب،
خارطة هناك لا تكتمل إلا بخارطة هنا وكأن كل واحدة منهما نصف تفاحة أو نصف برتقالة
نصف هناك يتجه إلى البحر ونصف هنا يتجه إلى الصحراء أم نابلسية وأب سلطي. وأم
ربداوية وأب من جنين، مهما كثر حُسادنا وعزالنا فمصيرنا أنا موحدون. رغم أنوف
الذين حاولوا أو يحاولوا لإجتثاث هذه الجذور التي جعلتنا في مركب واحد.
وكيف السبيل إلى وطنِ تقاسمنا فيه
الخبز والملح والتراب وتفيأنا بذات الشجر، كيف لنا في الدم الذي تشاركنا فيه منذ
أكثر من عشرة الاف عام وعدنا نعبئه في الأوردة عند لقاء العدو وحدنا إن لزم الأمر
ووحدنا كنا، حين الطفل الذي أعلن الحرب على المحتل بحجارته ومهارته، وبقي الأقصى
جريحاً يئن تحت وطأة المحتل الغاصب الذي يقضم الأرض كجرذان الأرض، بقينا وحدنا نمد
الرئة الأخرى بما في رئتنا، بالماء والدم والشهامة التي يحتاجونها هذه الأيام، وما
زلنا نتقاسم الماء والهواء، ونقف معاً لإستعادة الأرض وما بقي من كرامة الأمة التي
أستُبيح فيها كل شيء وأُكل الثور الأبيض عند الفجر، والكل يُصفق على النصر المؤزر،
وما كان الجميع يعلم أن الثور الأسود في الطريق الى المقصلة، وبعد كل هذا انطلت
علينا لعبة الربيع العربي الذي أتى على كل شيء وما بقي بين ظهرانينا إلا بعضٍ من
شرفاء ينافحون عما تبقى من فلسطين ويوقفون الزحف الصهيوني اتجاه الفرات والنيل
قبلتهما القادمة، وبقينا نمسك على الأقصى لنمسك على قلوبنا بكل ما تبقى لدينا،
ونكمل الطريق جنبا إلى جنب مع اشقائنا غرب النهر ولا نتهاون في حقوقهم، لأننا
المتضررون إن تضرروا، والمجروحون إن جُرحوا، وأستميح الكاتب الإعلامي أحمد سلامة
الذي أطلق ذات لقاء قبل خمس وثلاثين عاما مصطلح « أردستينيا « لتكون ما يوحدنا
عندما يبادرنا أشقاؤنا عندما نخبرهم أنا أردني، سائلاً: أنت أردني أو فلسطيني، نحن
شعبان في شعبِ واحد وربما ننتمي لوطن واحد ندعوه «أردستينا « نحن من الأردن
وفلسطين معاً.
أردستينيا: الأردن وفلسطين