ب في الوقت الذي كانت تتقدم فيه دول الصف الأول
بخطوات متسارعة نحو أفق الثورة الصناعية الرابعة ومستجداتها، وتتنافس بكافة قواها
الابتكارية في فضاءات الذكاء الاصطناعي، وكانت تلهث وراءها الدول النامية بتوجهات
تخطو نحو التكنولوجيا تكاد تتوسط ما بين استهلاك التقنيات -المصدرة إليها- بعبثية
غير واعية لقيمة الثورة الرقمية، وبين محاولات تأسيس بنى تكنولوجية تحتية تمكنها
من الوقوف على أعتاب الثورة الرقمية التي أخذت تتصدر المجالات كافة في المستويات
العالمية والمحلية، في لحظة ما توقفت الحياة عن التنفس، ووجدت الدول نفسها في عالم
مغاير من المعطيات بنمط غير متوقع!
وذلك ما أحدث هزة نوعية في المنظور
والتصورات، وتطلب إعادة النظر في طرق التخطيط للمستقبل؛ إذ برزت فجوة للعيان
معنونة بـ «كيف تدير الثورة الرقمية الأزمات في حال توقفت عجلة الحياة عن
الحركة؟»، وهذا يستدعي نوعا من التخطيط الرقمي القادر على استدراك الحركة الحياتية
التي كان نتاج توقفها شللا تاما في قطاعات عدة سببت خسائر اقتصادية فادحة كلفت
الدول ما لا يغفل عنه الجميع.
فأصبح يتوجب على المخططين وراسمي السياسات
التفكير المستفيض في إمكانيات العالم الذي نتوجه إليه بكافة المقدرات وحجم التقنية
المتوفرة وقدرتها على قيادة الحلول، وإحداث تغيير جذري في مفهوم استثمار الموارد
البشرية وكفاياتها في ظل التحول إلى الوظيفة الرقمية، وضرورة إنماء البنى
التكنولوجية التحتية؛ في زمن تمكن من تجميد عدد كبير من الوظائف، وتفعيل أخرى من
مواقعها التي تقوقعت فيها عبر شاشات صغيرة وشبكة عنكبوتية وظفت بصيغ مختلفة، وأزمة
أثبتت أنه بالإمكان الاستغناء عن مكاتب فارهة، ومؤسسات معروفة، ومنشآت كبرى كانت
تستهلك قيما عليا من المال والوقت والجهد استبدلت بمنصات أكثر فاعلية وتكلفة وأقل
كوادر بشرية ومنها على سبيل المثال لا الحصر: بعض الدوائر الحكومية والسفارات التي
تقودها البيروقراطية والمعاملات الورقية ويعمها الترهل الإداري؛ إذ إنها قادرة على
تنفيذ مهامها والقيام بأدوارها عن بعد بنجاح، وزمن استغنى عن عدد كبير من الموظفين
في قطاعات مثل: المواصلات، والسياحة والتجارة وغيرها...
بينما ظهرت حاجات ملحة لتخصصات منها،
مهندسو الكيمياء الحيوية التي تضم المواد الأولية للروبوتات والمواد النانوية،
والابتكار الاجتماعي، والصحة النفسية المرتبطة بعصر التحول الرقمي، والهندسة
الجينية، والطاقة البديلة، والمخطط المالي، والمستشار التقني، والتعلم عن بعد
بتقنيات الحداثة، والتسوق الإلكتروني وغيرها.
وهذا ما يدفع المخططين وصناع القرار
ومؤسسات التعليم العالي (الجامعات)، وهيئة الاعتماد، ومؤسسات البحث العلمي في
البدء بآلية التخطيط الرقمي لتلبية احتياجات السوق المستجدة، وتحقيق استدامة
حياتية ونماء اقتصادي من خلال إلغاء تخصصات عقيمة، واستحداث أخرى بمناهج مبتكرة،
وآليات تعلم عصرية، وتدريب وتأهيل قياديين، ومنظومة قيمية.
وأخيراً فإن التخطيط الرقمي سيكون
مرتبطا بتوفير آلاف الفرص والحلول في الدولة الواحدة، والتي سيكون لها علاقة
بالتطور التكنولوجي الرقمي على المستويات المحلية والعالمية، إذ تحل البيانات
كمحرك بديل للنفط في واقع المنصات الالكترونية وعالم التقنية الذي يدير الواقع
باحتراف.