بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
شهدت فترة ما قبل كورونا حالات من عدم
الرضا الشعبي عن اداء مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية خاصة ، ولربما للجو
العام التقليدي في الية اختيار العناصر التي يناط بها مسؤولية إدارة شؤون الدولة ،
حتى أصبحنا نشعر بأن مطبخ القرار الأردني لم يعد يغادر الدائرة الضيقة في
اختياراته وكأن الكفاءات والقدرات العلمية والوظيفية الاردنية قد اختزلت في هذه
الدائرة الضيقة المسؤولة عن حالة الإحباط التي تسيدت مشهد الاداء العام .. حتى
باتت الطريق إلى مواقع المسؤولية أمام غير المؤهلين سالكة . الأمر الذي أدى إلى تردي الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية
.. وأن لا فرق بين حكومة وأخرى .. ومسؤول وآخر
إلا بنسبة مساهمته بزيادة مؤشر الاداء السيء الذي يدفع بهذه الأوضاع إلى
المزيد من التردي .. وما ان طل فيروس كورونا برأسه مقتحما ساحتنا المحلية عبر
جولته الوبائية التي شملت كافة دول العالم .. حتى وجدنا أنفسنا أمام لحظة تاريخية
شكلت انعطافة نوعية في مسيرتنا الوطنية تجسدت في الجهود العسكرية والأمنية والطبية
وبتوجيه ملكي .. وبإشراف مباشر من لدن جلالة الملك ، أمكن لها تقديم نموذج أردني بهر العالم في
روعته في مواجهة هذا التحدي العابر للحدود
الجغرافية ولحصون العلم والمعرفة العالمية عبر حزمة من الإجراءات الوقائية
والإرشادية التي يسجل لها الإسهام في وضع الأردن على خارطة أفضل دول العالم تعاطيا
مع هذا التحدي الصحي والطبي العالمي .. وبدا
ان الأردن بات تحت أنظار المنظومة الدولية واهتمامها واعجابها .. وكأني به
يعود مرة أخرى ليقدم أوراق اعتماده ونجاحه في تجاوز الأزمات والتحديات التي جعلت
منه حكاية نجاح كلما ضربت العالم والمنطقة ، وحاولت أو تمكنت من الدخول أو الوصول
إلى الجبهة الأردنية .. الأمر الذي طغى على المشهد الأردني وأعاد الثقة والزخم
الشعبي لمؤسسات الدولة مرة أخرى .. واضعا إياها أمام تحدي المرحلة الجديدة بعد
التعاطي الحكيم والمدروس والمشهود لها مع وباء كورونا .. ومانحا مطبخ القرار
الاردني فرصة ثمينة ليعيد حساباته في اليات ومعايير اختيار العناصر التي يقع عليها
مسؤولية إدارة هذه المؤسسات بعيدا عن النهج التقليدي الذي غالبا ما كان يطغي عليه
الطابع الشخصي والاجندات الشخصية على حساب الطابع الوطني والمصلحة العامة ..
فإذا كان التغني والرهان على وعي
المواطن وتفهمه في تجاوز الظروف والتحديات التي طالما واجهت الوطن ومنها هذا
الوباء بطبيعة الحال .. فقد ان الاوان لأن نرتقي بتفكيرنا كمطبخ قرار إلى المستوى
الذي تكون فيه مؤسسات الدولة وشخوصها والياتها وأدواتها بمستوى وعي المواطن الذي
نفاخر به الدنيا .. وأن نبتعد عن الأساليب التقليدية في تعبئة الشواغر الحكومية في
مواقع المسؤولية حتى أصبحنا نشاهد من هم من أصحاب المؤهلات والقدرات الوظيفية
المتواضعة يتربعون على قمة الهرم الإداري رغم أنهم لا يستحقون التواجد في هذه
المواقع الهامة .
فهل نلتقط الرسالة من التطورات التي
رافقت أزمة كورونا لنعيد قاطرة مؤسسات الدولة إلى مسار الاداء الصحيح .. ونرمي
خلفنا ما اعترى طريق الاداء الرسمي من مطبات وعثرات أثرت سلبيا في نظرتنا للعمل
العام وتقيمه على أمل استعادة الثقة الشعبية به وبادواته وبما فيه مصلحة بلدنا ،
بعيدا عن الاعتبارات والحسابات الخاصة والشخصية .
في ظل احتمالية ان يكون الأردن وجهة جاذبة للاستثمارات والمشاريع الاقتصادية
بعد نجاحه في مواجهة كورونا بأساليب راعى فيها البعد الانساني والأخلاقي والقيمي
والحضاري والصحي والأمني ، بما يمكن أن يشكل أرضية أو بنية تحتية اردنية محفزة لمن
يرغب ان يطمئن على امنه واستثماره وانسانيته .. مرة أخرى .. شريطة تغيير النهج
والبداية من الإدارة .
دون أن نغفل دور كورونا في كشف حقيقة
مواقف البعض من المسؤولين السابقين .. ومن الذين عاشوا بنعيم هدا البلد وخيره
وجميله .. عندما اختفوا وغابوا عن المشهد الوطني الذي كان بأمس الحاجة لهم للوقوف
بجانب الوطن في مواجهة هذا التحدي الوبائي .. حتى اننا لم نسمع لهم صوتا .. ولم
نشهد لهم موقفا وطنيا مشرفا .. ربما ادخر بعضهم ذلك إلى ما بعد كورونا .. ليعود
لنا من بوابة الاعلام والتنظير .. ليزاود علينا بالوطنيات التي فشل في إحدى
اختباراتها الحقيقية ممثلا في اختبار كورونا .. !!.