ونحن على اعقاب المئوية الأولى للدولة الاردنية، وكأي موطن اردني غيور على وطنه ومحباً له ومتغنياً بأمجاده وبطولاته، وكغيري من الباحثين الذين يقرؤن تاريخ وطنهم بتمعن وشموخ فانه كان لا بد لهم من وضع النقاط على الحروف من خلال تصفح تاريخ هذا الوطن مئويته، وذلك للوقوف على النقاط المضيئة في هذه المسيرة والمناداة والعمل على تعزيزها وبنفس الوقت الإشارة الى نقاط الضعف فيها والعمل للقضاء عليها وتجفيف جذورها.
وفي غمار اختفالنا بذكرى استقلالنا الرابع وسبعون اكتشفت ان الانتداب البريطاني البغيض وتكريساً لمبادئه الاستعماري الحقير في اي موقع يتركه صاغراً او كارهاً مبدأ (فرق تسد)، عمل على غرس بذوراً للفساد وذكور للإفساد في البلاد والعباد هدفها رعاية هذه البذور النتنة لاعاقة حركة التطور والبناء للدولة الاردنية النشاءة على مبادئ العدل والمساواة والحياة الفضلى. ومن يتصفح تاريخ نشأة الدولة الاردنية الحديثة يجد ان اعداء الوطن يتربصون به ويصطفون بخندق الاعداء ويعملون بكل قواهم لتعطيل هذه المسيرة وتقويضها ، وقد ظهر ذلك جلياً في بدايات تأسيس الامارة بوجود منغصات في طريق تطور الدولة واهمها – في حينه – الفساد والاساءة الى السمعة لهذه الدولة الناشئة وقد لاحظته واعترفت بوجوده الحكومة الاردنية السابعة حكومة علي رضا الركابي الثانية والمشكلة بتاريخ 3 ايار 1924 حيث اقرت هذه الحكومة ولأول مرة بوجود الفساد وذلك من خلال برنامجها التي تقدمت به امام الأمير عبد الله الأول والذي تضمن عشر نقاط اقتبس منه النفطة الخامسة والتي نصت بالحرف على ما يلي : (ﻗﻤﻊ ﺒﺫﻭﺭ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭﻤﺎ ﻴﺴﻲﺀ ﻟﻠﺴﻤﻌﺔ ﺒﻜل ﺸﺩﺓ) انتهى الاقتباس . وما اود الإشارة اليه في هذا الصدد بان عمر الدولة في ذلك الوقت منذ تشكيل اول حكومة اردنية ولتاريخ اعلان العمل على قمع بذور الفساد هو ثلاثة سنوات فقط علماً بأن رئيس مجلس النظار في حينه (علي رضا الركابي ) قد شكل حكومتين خلال هذه السنوات الثلاث مما يستدعيني اتسأل عدة اسئلة تحاكي التاريخ في حينه وأسقطها على واقعنا الحالي ومن هذه الاسئلة :
كيف لرئيس مجلس النظار في حينه (الركابي) ان يقمع بذور الفساد وهو شاهد على غرسها؟
هل استطاع رئيس مجلس النظار في حينه (الركابي) ان يقمع بذور الفساد وقمع من يسئ للسمعة وبكل شدة ام لا؟
هل تعرض رئيس مجلس النظار في حينه (الركابي) الى مقاومة من الانتداب البريطاني واعوانه وهذا غير مستبعد عن الانتداب الخبيث وذلك لمنعه من قمع بذور الفساد ومساعدة كل من يسئ للسمعة في الوصول الى مواقع المسؤولية؟
وحتى لا أكثر من الاسئلة وهي كثيرة إذا طرحت في هذا المجال، لذا انتقل الى واقعنا الحالي وفي ظلال الحكومة الاردنية (المائة وواحد) من عمر الدولة الاردنية، واتسأل هل نحن فعلا جادين في محاربة الفساد؟ واذا كنا كذلك الا تروى معي انه لابد لنا من العودة الى جذور هذه البذور واقتلاعها؟ وهل نستطيع اقتلاع جذور الفساد التي أصبح عمرها الان ما يقارب 96 عاما وكيف لنا ذلك؟ اسئلة اضعها امام كل من يعمل على محاربة الفساد وخاصة امام هيئة النزاهة ومكافحة الفساد إذا كان من واجبتها البحث عن بذور الفساد والرجوع الى التاريخ؟
وإذا ابتعدنا عن المعنى المجازي لكلمة بذور ونأخذها بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة ونعتبرها من واجبات وزارة الزراعة وخاصة فيما يتعلق بواجباتها في معالجة البذور بأنواعها ومن ضمنها بذور الفساد خاصة بعد ان اصبحت هذه البذور الان اشجار وارفة تظلل بفروعها واغصانها ذكور الفساد ويتمتع بثمارها النتنة كل من يساهم في نموها.
هذه الاسئلة وغيرها مما يجول في الخاطر وخاطر كل قارئ للتاريخ تستوجب منا البحث عن اجابات لها لنتمكن فعلا من مقاومة الفساد والبحث عن جذوره واقتلاعها من طريق التقدم أذا كنا جادين فعلاً في قمع بذور الفساد.