ولد الموسيقار أنطونيو بغڨيڨالدي في مدينة البندقية في إيطاليا عام 1678 وعاش حياته يؤلف الموسيقى في بلاط الملوك والأمراء في روما وفرساي وبڨيينا.
اشتهر بڨيڨالدي بموسيقاه التي تصور المشاعر الإنسانية والأحداث الواقعية مثل مقطوعات: السعادة، عاصفة في البحر ورحلة صيد. أشهر مقطوعاته قاطبة الفصول الأربعة والتي تتألف من أربعة أجزاء: كل جزء أو كونسرتو يمثل فصلاً من فصول السنة.
في بداية هذه المقطوعة يحملك بڨيڨالدي معه إلى عوالم الربيع الجميلة: صبية تجدل ضفائرها، نحلة ترشف رحيق وردة حمراء، ضفدع يقفز قرب حافة جدول، عاشقان يتناجيان فوق جسر حجري قديم يمر من تحته نهر يحتضنه نسيم عليل، عصفور صغير يلتقط قطرات ماء من فم أمه، رائحة الورود، مروج خضراء تغفو فوقها قطعان ماشية يحرسها كلب صغير، نسر يحلق في الفضاء، دندنة جناحي دبور تنثر بذور اللقاح، أم وطفلها يقطفان زهرة، عصافير تغرد فوق أغصان ملونة ورذاذ شلال يتساقط بين الجبال التي تظللها غابات السنديان والجوز والصفصاف والزيزفون.
تنقلك موسيقى ڨيڨالدي بعد ذلك ببطء مقصود إلى فصل الصيف: قرص الشمس الساطع وهو يبدأ النهار، أسماك صغيرة تبحث عن طعامها في نهر ضحل، صبي يقذف حجراً في جدول ماء، أبقار ترعى ما تبقى من خضرة المروج، أشعة شمس لاهبة، عرق يتصبب، سلحفاة تتمختر، أرنب صغير غافل أمه ليقفز في الحقول، عصفور يحاول الغناء، غصن شجرة ينحني بشوق نحو سطح ماء جدول قريب، رحلة في قارب، صبايا يرقبن عودة الشباب مع غروب الشمس خلف التلال، أضواء مدينة بعيدة تتلألأ فوق سطح بحيرة، نعيق بوم يتردد في أناء الليل، صوت أغنية بعيدة ورائحة الياسمين تتسلل من شباك مفتوح.
بعد ذلك وبرشاقة بالغة تنقلك الموسيقى إلى فصل الخريف: قرون مجوفة ينفخ فيها صيادون يطاردون ظباء في الفجر، أصوات كلاب تنبح، ضباب خفيف في غابة تسللت إليها أشعة الشمس، قطرات ماء فضية تنفصل عن شلال ينبع من مغارة لتتراقص فوق الصخور الملساء، عامل نظافة يكنس بمقشته أوراق الخريف المتساقطة، عاشقة ينام رأسها على كتف فارسها وهمما يركبان عربة تجرها الخيول، تجويفٌ داخل شجرة كبيرة يلهو بداخله الأطفال، حقول صفراء، فلاح يحرث الأرض بمحراثه وفي فمه نصف سيجارة، فلاحون يغنون للحصاد وهم يجمعون القش في أكوام دائرية، قطع أخشاب للموقد أمام كوخ، غيوم تتسابق، ريح تزأر، حيتان تلعب في الماء، وامرأة تنعى خريف العمر أمام مرآه قاسية.
فجأة تهدر الموسيقى هدراً وهي تنقلك إلى فصل الشتاء:غيوم سوداء مثقلة بماء المطر، أصابع أقدام باردة، فارس يروض جموح حصان أبيض، طريق طويل على ضفة نهر متجمد، مدخل منزل تكسوه الثلوج، نسيج عنكبوت فوق غصن عارٍ، رجل وامرأة يتابعان أوراق أشجار تطفو وتغطس في الماء، نحات و صدف، رجل ثلج فوق رأسه طاقية تحميه من عبث أطفال يتقاذفون كرات الثلج، شيخ يجلس على مقعد خشبي يداعب أحفاده في لحظة صفاء، دخان ينبعث من مدفئة كوخ فوق تله بعيدة، غروب شمس فاترة، أبواب مغلقة بمزلاجات، حبات كستناء تغفو فوق سطح موقد، أكواب شاي ساخنة، طفل يخبئ رأسه عند أمه خوفاً من سماء حمراء في ليلٍ باردٍ طويل.
الكمان الذي يغفو على كتف العازف كما الطفل الرضيع تحتضنه والدته، ينقلك بصوته الأقرب إلى صوت الإنسان ومعه أصوات الآلات الموسيقية الوترية الأخرى لتذوب في كونسرتو الفصول الأربعة فتسمع من خلالها احتفالية عصافير الربيع وتحس بحرارة شمس الصيف ويغمر وجهك رذاذ شلال الخريف وترقص تحت مطر الشتاء.
الفصول الأربعة ليس اسم فندق شهير أو متجر أزياء معروف أو مسلسل سوري تلفزيوني، أنه اسم المقطوعة الخالدة للموسيقار الخالد بڨيڨالدي.