خرج عميد الدبلوماسية العالمية
الدكتور هنري كيسنجر من خلوته متحدثاَ عن عالم جديد ويدافع عن الليبرالية
والعالم القادم الجديد مقترحاَ منهجية لمواجهة
تداعيات وباء كورونا على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. وتقوم هذه المنهجية
والتي تبدو بسيطة ظاهرياَ أساسا على ثلاثة محاور هي التالية:
أولا: تطوير الأبحاث العلمية لتعزيز قدرة العالم على
مواجهة الأمراض والأوبئة التي ستستفحل في المستقبل
ثانيا: المسارعة إلى إعداد خطط وبرامج من شأنها معالجة
الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء كورونا وعن تعطل الدورة الاقتصادية برمتها
بسبب ذلك.
ثالثا: حماية مبادئ النظام العالمي الليبرالي.
صحيح أن كثيرين خالفوا كيسنجر في منهجيته ولكن
السبب الرئيسي ليس عدم الاتفاق معه على العالم الجديد ولكن اصراره على الليبرالية
في طرحه وفي نفس الوقت اتفقوا غالبية هؤلاء المحللين بمشاطرت كيسنجر رأيه في أن
التحدي الأهم المطروح أمام الأسرة الدولية اليوم هو العمل في الوقت ذاته على حسن
تدبير إدارة الأزمة وعلى بناء المستقبل، ولكن يبقى كيسنجر من الارقام المتقدمة في
مجلس حكماء العالم والصندوق الاسود للمعلومات السابقة والمخططات القادمة، وما
يعنيني ما يتفق عليه الجميع وهو نظام كوني جديد وليس عالمي بعيداَ عن المبدأ الذي
سينهجه راسمالي أم اشتراكي أم مختلط فبالنهاية لن يخرج عن اصول هذه المفاهيم،
الاهم هو مكانة الانسانية في هذا النظام الجديد وعندما تكلمت عن مفهوم الكون اقصده
لان نظرة الانسان وخاصة في العشرين سنة الماضية كانت تفكر بتفكير جدي حول نهاية
الكون وبدأت الدول تفكر في اماكن غير الارض لتبدأ حضارة جديدة عليها وكان التفكير
الاقرب هو كوكب المريح.
لقد تصدرت استثمارات العالم في الحقبة الماضية
الاستثمار في الاسلحة وخوف البشر من بعضهم استنادا على محاور كثيرة وتم استغلال
الاديان والثقافات والعروق في العالم وذهبت الاستثمارات بالعالم نحو العلوم
التطبيقية التكنولوجية وبعدت كل البعد عن العلوم البحتة الاصيلة واصلت في البشر
العنصر الاستهلاكي وتغيب الطاقة الانسانية والاستعاضة عنها بالطاقة الميكانيكية
والتكنولوجية حتى وصل الامر الى تعطيل العقل البشري عن العمليات الحسابية البسيطة
والمعلومات البديهية واصبح معلقا بالادوات التكنولوجية ومن هنا ذهبت كل الاموال
باتجاه القيم غير الحقيقية للسلع وبدأنا نرى وادي السليكون واستثماراته بأسعار
خرافية في البورصات العالمية مع أن القيمة السوقية متدنية ونرى فيسبوك وغيره من
التواصل الاجتماعي بنفس المفهوم من المال الذي وفي اقل من ثواني في مصيبة بسيطة
بالاصل مثل فايروس ذهبت كل هذه القيم الى الغيب.
الانسان بطبيعته يحتاج مقومات اساسية ولكن العالم
أخذ النفس البشرية الى مفهوم الرفاهية الغربية أو لنكن اكثر دقة الامريكية واصبح
مفهوم السلعة الاساسية ضائع ضمن احتياجات عصرية لا تمت للانسان والانسانية بشيء بل
نمت الفكر الاناني والذاتي وفي اضيق الظروف للمفهوم المحلي فراينا كيف تتهافت
الدول الى المفهوم المحلي ووصل الامر أن تقوم بعض الدول بسرقة ادوات طبية ذاهبة لبلد
آخر لتعتبر نفسها احق بالحياة، فالعالم الحديث ذهب في رفاهية الانسان دون أن يبحث
كيف للانسان أن يكون قادراَ على إمتلاك هذه الرفاهية مع عالم غارق بالتضخم وأعداد
المشردين في ازدياد وهنا الفرق بين الفكر الغربي و الاسيوي البعيد الصين واليابان
مثلا.
لقد زادت استثمارات العالم في القرن الماضي عن
400 اربعمائة تريليون دولار للتسليح والحروب ولم تقدم للبشرية اي شيء سوى الدمار
وعند حصول هزة بسيطة طبية كالكورونا لم تشفع هذه الاستثمارات للدول ولم تحمي بها
شعوبها، بل ذهبت بالريح، فبلد مثل كوبا ومن لا يعرفها يقرأ كيف تحدت بلد مثل
امريكيا لعقود فظهرت كوبا بلد الاطباء والرعاية الطبية من المرضيين والعاملين
بالقطاع الصحي لتسعف بلد مثل ايطاليا الذي يصنف بالرعاية الطبية عالميا من الاوائل
وامريكيا التي كانت تبني جدارا خوفا من هجرة المكسيكيين اصبح المكسيكيون يردون
الجدار ولا يرغبون بالذهاب لها بل لقد قدمت المكسيك المساعدة للدولة العظمى.
نعم العالم سيتغير بكل شيء واكثر شيء هو مفهوم
الانسانية والحاجة لمفهوم الدولة والعرق فالانسان او الشعوب تريد مفهوم الدولة
لحمايتها وتنظيم امورها والمحافظة على مواردها والاستفادة منها في الظروف الصعبة
واهم هذه الموارد هو العنصر البشري الذي هو محور الحياة بعيدا عن استغلال الدول
للاقتصاديات وتعقيداتها ومفاهيمها العميقة لقد عاد الانسان لينظر للامور من ناحية
غريزة العيش والبقاء فقط كامور بسيطة اهمها الغذاء والدواء.
واعود لكلام كيسنجر ودعوته لتكاتف العالم مع بعض
والابتعاد عن الخلافات لبناء عالم جديد ولكن يصر كيسنجر أن يبقى هذا العالم تحت
الوصاية الامريكية فهو بشكل مباشر يطلب من رئيس الولايات المتحدة أن يعمل لهذا
العالم الجديد مع عدم ذكر او وصف ما هو هذا العالم فقط للرجوع بفكر الانسانية التي
لكل واحد او جماعة مفهومه الخاص لها وفي نفس الوقت يدعو العالم بقيادة امريكيا
للتمسك بالليبرالية التي لم تحقق شيئا للبشرية جمعاء انما حققت لطبقة معينة.
العالم يتجه نحو الانغلاق والاكتفاء الذاتي وهذا
ما تحاول اكبر دولة في العالم الذهاب اليه نحو امريكا قوية من جديد ولكن وحدها
والاتحاد الاوروبي المؤشرات واضحة اما أن يحل او يبقى رمزيا، الحاجة الان لدور
عربي أو لمجموعة عربية ضيقة للعمل العربي المشترك وهذا شبه مستحيل بسب الثقافة
العربية الرئاسية عند رؤوساء الدول العربية، وبما أن التكهنات ذاهبة نحو ربيع قادم
ليس عربيا فقط ولكن الدول العربية ستكون متاثرة اكثر فيه فلابد للدول العربية أن
تحاول أن تقوم بالاكتفاء الذاتي.
ومن مبدأ الانانية لابد أن اتكلم عن الاردن هل
يستطيع بلد صغير أن يصل لمفهوم الاكتفاء الذاتي، نظريا نعم والبداية لابد أن تكون
سياسية اقتصادية بالايمان بموارد هذا البلد وخاصة الانسان المؤهل والقادر على
العطاء والرجوع للاستثمار الزراعي بمفهومه الواسع الكبير واعادة النظر بالفكر
الصناعي ومن هنا تبدأ الشعوب بالنهوض بالعمل والحرية والفرص المتساوية وهذا يحتاج
لمراجعة شاملة للعملية التعليمية من المرحلة الابتدائية الى الجامعية لوضع تصور
لمخرجات حقيقية وليست لزيادة اعداد حاملي الشهادات وانخراط الشباب بالعمل مبكرا من
خلال برامج تدريب مهني ريادي حقيقي مرتبط بسوق العمل بجميع قطاعاته الصناعية
والزراعية ...الخ، والقادم ليس سهلا وخاصة مع انهيار الاتفاقيات الدولية وخاصة إتفاقية
التجارة العالمية وغيرها واختفاء كذبة الملكية الفكرية في العالم لذا لابد ومن
اليوم العمل على وضع خطط وقوانين محلية لحماية الصناعة الوطنية بمفوم واسع لتعريف
كلمة الصناعة والسلعة والاحتفاظ بابناء الاردن المتميزين ومحاولة اعادة البعض من غربته
لان العالم سوف يشهد استقطاب او سرقة للخبراء وخاصة من هم في الاربعينات وبداية
الخمسينيات، حمى الله الاردن والأنسانية.
[email protected]