في رؤية حديثه مبنية على تجربة واسعه
وفهم عميق لطبيعة تطور النظم التربوية في العالم وسبل اصلاح التعليم في الاردن،
استعرض الدكتور تيسير النعيمي وزير التربية والتعليم كيفية الانتقال بالنظام
التعليمي التقليدي في الاردن إلى نهج تعليمي فاعل ومستدام، بتبني نهج ارتقائي
متدرج، ضمن إطار محكم من المراقبة والتقييم، باعتبار أن العامل الحاسم في نجاح هذا
النهج يقع أساسا في مستوى تنفيذه.
ولا شك في أن محاضرة الدكتور النعيمي
في منتدى عبد الحميد شومان الثقافي حول اشكاليات وتحديات إصلاح التعليم وضعت معالم
واضحة لخارطة طريق لاصلاح التعليم باعتباره الضرورة التي تتحقق فيها التنمية ،
وهذا يقود بالضرورة أن تكون تستند قراءة الواقع الحالي والتجارب السابقة إلى
مراجعة صادقة وواقعية وشفافة توزان بين الاستثمار في الموارد البشرية ضمن
استرتيجية واضحة تأخذ بعين الاعتبار قدرات المعلم ومراحل تأهيله وتدريبه وتأخذ من
جانب آخر باستعداد الطالب وقدراته ورغباته في إطار نظرية الحرية.
إن ما بينه وزير التربية والتعليم من
مشاكل في النظام التربوي وعلى رأسها إعداد المعلمين وتدريبهم تؤكد الحاجة
إلى تمليك المعلمين كفايات تخصصية ومهنية ضمن معاييرٌ تربويةٌ صرفة تطبقُها
معظمُ دولِ العالم المتقدم والنامي وترتبطَ باداءِ المعلمِ، وهذه المعاييرُ
مطلوبةُ ليس محلياً فقط بل عالمياً ، لأن دول العالم كافة اتجهت إلى منحى الكفايات
المهنية والتخصصية كونَها مدخلٌ لتجويدِ التعليمِ، وتحديد نوعية التعليم المطلوب
ضمن برامج تدريب نوعية.
ان رؤية النعيمي المستنده الى جوهر
الورقة النقاشية السابعة لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في اصلاح
التعليم، وفي قراءة واعية وفريده يؤكد الدكتور تيسير النعيمي ضرورة وكيفية تشكيل
رأس مال إجتماعي للتعليم قائم على الاستثمار في الموارد البشرية التي يمتلكها
النظام التربوي الاردني بكافة مكوناته وهو ما يفتقده النظام التربوي الآن رغم وجود
معلمين مميزين، يمتلكون خبرات واسعة بشكل فردي، ولكن المطلوب بناء جسم متكامل من
المعلمين من أصحاب المتمكنين وأصحاب الاداء الرفيع القادرين على استحداث مجتمعات
الممارسة المهنية والتأمل الذاتي والخبرات المتبادله.
لقد بين الوزير النعيمي بشكل دقيق أنَّ
كفاءَةَ وجودةَ التعليمِ هي الضمانةُ الوحيدةُ لتحقيقِ التنميةِ الشاملة،
والتقدُّمِ العلميِّ والاستقرارِ والرَّفاهية، وتُعَـدُّ هذه الكفاءة أداةً أكثرَ
فاعلـيَّةً في صناعةِ المستقبلِ المشرقِ للأردن ، وهي تبقى دائمًا من الثوابتِ
والقناعات الراسخةِ بضرورةِ تكاتُفِ جُهودِ المُجتمعات الدوليَّة لِسَدِّ الفَجوةِ
المعرفيةِ والاقتصاديةِ بينَ دُوَلِ العالم، ودَفعِ عَجَلةَ التَّنميةِ إلى
المَسارِ الذي يضمنُ الاستقرارَ والسلامَ وتحقيقَ الرفاهِ الاجتماعي من خلالِ
ارتفاعِ مُستوى التعليمِ المُبدع، لأنَّ نوعيةَ التعليمِ هي رهانُ المستقبلِ وقد
دخلت معظمُ دولِ العالم النامي والمتقدمِ في سباقٍ نحو جودةِ التعليمِ ونوعيته
لأنّ التعليمَ يجبُ أن يُمكّنَ الطلبةُ من المهاراتِ التي تتواءمَ ومهنِ المستقبل،
وهذا يتطلب نمواً مهنيّاً مستمراً للمعلمِ لا تحقّقُها دورةُ هنا أو ورشةُ هناك.
إن عطاءَ المعلمِ لا يُقدَّرُ بثمنِ،
ورسالتَه لها قُدسيَّةٌ خاصَّة، ومهنتُهُ من أنبلِ المِهَنِ وأشرَفها؛ والاستثمار
في قدراته عنوان كبير لبناء رأس مال إجتماعي للدولة الاردنية للدخول في عصر
المستقبل بخطوات واثقة ومدروسة، وهذا كلُّهُ يضعُنا أمامَ مسؤوليةٍ وأمانةٍ في
أعناقنا وإلتزام نحوَ أبنائِنا الطلبة قادةُ المستقبل التي حفظت العهود والمواثيق
الدولية و كل القوانين والدساتير حقهم في التعليم الجيد، وأكدت على أنَ التعليم
عمليّةً تبدأ مع ولادة الإنسان، ولا تنتهي وهذه مسلمة من المُسلَّمات التي لا تقبل
النقاش ، وهكذا، فإنّ التعليم للطفل هو حقّ أساسيّ من حقوقه كإنسان؛ إذ يبدأ في
التعلّم منذ لحظة ولادته، وذلك عن طريق إحاطته برعاية خاصّة، ومنحه الاهتمام من
ذوَيْه اللذين يساعدانه على إنماء عقله؛ لتكون هذه المرحلة حجر أساس في انتقاله
إلى مراحل أُخرى، تُعدّ المدرسة أهمّها، فيبدأ بالاستعداد لدخولها، ليمضي في
استكشاف العالم من حوله، والتعلم من محيطه عن طريق دمجه مع الأطفال الآخرين واللعب
معهم، كما يتعلّم أبجديّات الكتابة والرسم والفنون، فيؤثّر ذلك على نموّ قدراته
العقليّة نمواً سريعاً، واكتساب المهارات التي تؤسّس لبناء شخصيّته. و هذا ينسجم
أردنيا مع الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة)، والذي كان توافقا وطنيا
لتعبئة الموارد المحلية والدولية ّو تخصيصها واستخدامها بصورة مبتكرة، استنادا إلى
حقوق الإنسان وكرامته، و العدالة الاجتماعية، والحقوق الثقافية، والمسؤولية
المشتركة والمساءلة، وهو جدول مستند إلى مبدأ أن "التعليم منفعة
عامة"علاوة على كونه شرطا ّ من حقوق الإنسان ولتحقيق السلام والازدهار
الإنساني . ولا يتحقق ذلك إلاَ بضمان التعليم الجيد المنصف ّ للجميع ويتطلب معلمين
لديهم كل الامكانات لتحقيق ذلك.
والتعليم عمليّة تراكميّة، تعتمد كلّ
مرحلة فيها على سابقتها، ولذلك يجب أن يكون أساس التعليم قويّاً حتى تكون النتائج
التعليميّة فعّالةً، وذلك من خلال مجموعة من الاستحقاقات التي يشملها هذا الحقّ،
ويتطلبُ ذلك مِنَّا تضافُرَ الجُهودِ وشَحذَ الهِمَمِ، ونُكرانَ الذاتِ،
فـقُدوَتُنا في ذلك الرَسولُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ القيادةُ الهاشميةُ
التي تَصِلُ الليلَ بالنهارِ لبناءِ وَطنِ العِزِّ والعِلمِ والمعرفة، والتي
حَوَّلتَ التَّحدياتِ إلى فُرصِ إنجازٍ وإبداعٍ رُغْمَ محدوديةِ الموارد، لأنَّ
رسالةَ المعلمِ ودورَهُ في بناءِ المُجتَمعِ ستظلُّ الركيزةَ الأساسيَّةَ في
ازدهارِ الأممِ وتقدُّمِها؛ ولذلك يجدُرُ بنا أنْ نعد المعلمين تدريبا وتأهيلا
عبرَ الكفاياتِ التخصصيةِ والمهنية المعتمدةِ، وهي رحلة مهنية للمعلم ستكفل
رفعَ مستوى وعي الطلبةِ وتفكيرهِم، وسيكون لها الأثرُ الواضحُ في المجتمع ،
فالمعلمُ هو أساسُ التغييرِ وعنوانِه الرئيس، ولذلكَ فإنَّنا نُراهِنُ على
المعلمينِ في عمليةِ الإصلاحِ والتطوير نحوَ التغييرِ للأفضل، ولا بُدَّ للمعلمين
من الإسهام في قيادةِ النَّهضةِ التعليمية؛ بهدف تركِ بصمتِهم في كُلِّ صفٍّ
ومَدرسة، وفي بيتِ كُلِّ مُواطِنٍ أردني، لأنَ من حقّ الطفل أن يحظى ببيئة تربويّة
تلائمه، وقبل أن تكون البيئة التعليميّة ذات مستوى راقٍ، فإن التربية الصحيحة هي
مفتاح التعليم القويم، وفي البيئة التربويّة السليمة يتمّ استخدام أحدث النظريات
والوسائل التربويّة للنّهوض بمستويات الأطفال وطبقاتهم الاجتماعيّة كافّةً؛
فالمعلم الناجح لا يقتصر دوره على تزويد طلابه بالمعلومات، بل يبذل جهده في فهم
احتياجات تلاميذه وحلّ مشاكلهم؛ ليتمكّن من تحقيق التوازن بين العمليّة التعليميّة
والتربوية، وهذا لا يعني أن تُلقى المهمّة كلّها على عاتق المدرسة وحدها، بل إنّ
للأسرة دوراً كبيراً من خلال السماح لهم بإبداء آرائهم في عمليّة تغيير المناهج
الدراسية وتقويمها وتقييم المعلم وبما يراه النظام التربوي مناسباً، وهذا له
أهميّة كبيرة للارتقاء بشخصيّة الطلبة نحو الأفضل؛ وهكذا فإن المدرسة والأسرة
عندما تجتمعان تُحقّقان توافقاً نفسياً واجتماعياً للطفل، ويمنحانه حقّه في
التعليم من خلالِ مجتمعاتِ تَعلُّمٍ فاعلة، بما يعودُ على الطالبِ بالفائدةِ.
وأخيرا، فان حديث الدكتور النعيمي
عن تحديات سياسات المعلمين من حيث مؤهلات العاملين في نظم التعليم، وغياب سياسات
فاعلة للاختيار والتعيين والاستقطاب، في ظل أن نوعية أي نظام تعليمي لا يمكن أن
تتجاوز نوعية معلميه وهي أكثر العوامل تأثيراً في تعلم الطلبة وهذا يتطلب
”حوكمة الأنظمة التربوية العربية ومنها الاردن في إدارتها ومركزيتها واعتماد أنظمة
المساءلة، واحداث استقرار في السياسات التعليمية، واعتماد نظم ومناهج تواكب تطورات
العصر وتقنياته.