القسم : بوابة الحقيقة
التعليم التقليدي والإلكتروني والتمازج بين البعد والقرب
نشر بتاريخ : 10/8/2020 1:08:08 PM
زيد أبو زيد

الخطأ والصواب والتجربة هي مَن جعلت مِن العالم يتغير بسرعة كبيرة أحيانًا نحو الأفضل وأحيانًا إلى الدرك الأسفل، وأقصد الجزء من العالم وليس الكل، وتصدق فيه مقولات أن العالم يقفز إلى المستقبل في هذه العقود الأخيرة قفزات هائلة بفعل الثورات التكنولوجية والصناعية والمعرفية، ولكن هل دائمًا ما تكون هذه القفزات بوتائر ثابتة، بالتأكيد لا، فإذا كانت الصراعات والحروب تعمل على انتكاسات فإنَّ ظروفًا معينة قد تُفَجِّر طاقات الإنسان، وتعمل على تطوير كل أدوات المعرفة وطرائق التدريس، وفي عصر التكنولوجيا تحتل كل منجزات الثورة الرابعة موقع الصدارة في عالم الغد.

 

اليوم ليس كالأمس، ولن يكون كالغد، فعلم الأوبئة والأمراض واللقاحات شهد طفرة حقيقية في سبيل البحث عن لقاء لوباء كورونا كوفيد 19، وعلوم التربية والتعليم وطرائقها تشهد كل يوم جديدًا، وأمية الحاسوب وتكنولوجيا الأجهزة الذكية التي كانت شبه محتكرة على فئات ومهتمين أصبحت متطلبًا إجباريًا، وشهدت انتشارًا يفوق الخيال، وتنقلت مدارس العالم بين نماذج كثيرة من شكل الدوام وشكل التعلم.

 

لقد شهد عالم اليوم انقطاعًا عن التعليم لمئات الملايين من الطلبة، وكانت عودتهم متقطعة وغير منتظمة، وفي كثير من البلدان لم يعد مئات الآلاف إلى صفوفهم بل ربما عشرات الملايين، وفي ظل الموجات المتلاحقة من الجائحة التي تضرب بعنف، وتنهار فيها أنظمة صحية، وتعجز مراكز طبية عن استقبال الطلبة بدأت بعض الدول توازن بذكاء بين الأمور المختلفة تحقيقًا لمتطلبات الصحة أولًا، والتعليم ثانيًا وليس ثالثًا، عملًا بقاعدة صحة المواطن هي أولى الأولويات، ومنها الأردن التي فيها للإنسان اعتبار كبير، كيف لا وهو أغلى ما نملك، ووضع التعليم بشقيه المدرسي والجامعي أولوية ثانية حتى يستمر فيها الإنسان ثروة الوطن وأساس نهضته ومستقبله.

 

 قد يعتقد بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي أن ما نتعامل معه حدث بسيط، وأن جائحة وباء كوفيد 19 كورونا مرض عابر أو كذبة من منظرين حالمين تسكنهم تهيئات أو أوهام لمعلوماتهم استقوها من غير مصادرها الموثوقة؛ فكانت الطامة الكبرى أن ارتبك المجتمع وتمزق بين آراء لا يستند كثير منها إلى الدقة العلمية أو الواقع المعيش، والتبست عليهم مفاهيم الضرورة الطبية بالتحليل السياسي والنقابي والاقتصادي ليسقطوها دون فهم على التعليمي ليُنَظِّرَ كلٌّ على ليلاه، وتبعًا لمصالحه وحاجته لا تبعًا لحاجة الإنسان وحاجة المجتمع وسلامته.

 

وفي الوقت الذي أعجزت فيه جائحة الوباء التي أعجزت أكبر الدول عن مواجهة انتشاره السريع، والحد من عدد إصاباته بالرغم من الإغلاقات وإجراءات الحظر، والعجز أكثر في الحد من آثاره الكارثية على الاقتصاديات، وعلى مظاهر الحياة الاجتماعية، ومنها التعليم،  نجد التجربة الأردنية تنتقل في مركب التعليم بذكاء بين التعليم الوجاهي وعن بعد وبين التعليم التقليدي والإلكتروني، ونوظف العقل الأردني لاستنباط كل جديد يوميًّا في علوم تدريب وتأهيل المنظومة الإلكترونية، ونعمل أيضًا وفق قاعدة تأهيل المعلمين وتدريبهم على برامج عامة ومتخصصة ليصبح كل الأردن مدرسة افتراضية كبرى تتفاعل فيها كل مكونات المجتمع في مجتمع افتراضي ومدارس افتراضية وصفوف تفاعلية، لنعود لبرهة إلى التعليم المباشر والاستدراكي، وتتمازج النماذج في صورة تتشكل يوميًّا بإبداع أرى صورته النهائية بفعل مقدمات منطقية وعلمية.

 

 لقد قدمت تجربة الجائحة للعالم فرصة كبيرة للتعامل مع الخبرات ونقلها إلى كل المجالات تعليميًّا وتربويًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا لمواجهة جائحة لا تعرف للحدود معنى أو مسمى، ومن جانبها قامت الحكومة الأردنية بالتعلم يومًا بيومٍ من العالم كما تعلم العالم منها كيف تدير الأزمات. فالدولة الأردنية بجميع مؤسساتها، وبتوجيهات مباشرة من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ومتابعته اليومية أدركت جيدًا حجم تأثيرات هذه القرارات على التعليم؛ فكان القرار باستمرار التعليم بصُوَرِهِ المختلفة.

 

لقد نسقت وزارة التربية والتعليم مع وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة كيفية التعامل مع البروتوكول الصحي، والاستفادة من تطبيقه لغايات التطوير والتحديث اليومي في تفاصيله ، والمهم هو الالتزام بتطبيقه في المدارس ضمانًا لصحة الطلبة والمعلمين والعاملين.

 

إن وزارة التربية والتعليم والحكومة وكل مؤسسات الدولة تعلم أن الجائحة مستمرة، وهي مضطرة إلى مواجهة وباء كورونا الجامح بكل الوسائل والطرائق مع استمرارية الحياة بكل تفاصيلها، وأصبح من المفروض علينا في هذا الوقت أن نكون أكثر يقظة في التعاطي مع الأحداث ومواجهة المواقف؛ لنساند الحكومة في قراراتها الوقائية والعلاجية للمشهد، لنجسد عمليًّا مفهوم دولة التكافل والتضامن، ليكون إنجازنا الوطني في مواجهة المستجدات باجتماع الإرادات وتوافق التطلُّـعات لكل مكونات الدولة الرسمية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الإنتاجية.

 

 إن طرائق التعلم في العالم كثيرة وستوفر وزارة التربية والتعليم محتوى علميًّا عبر منصتها الإلكترونية إلى جانب البث التلفزيوني للمباحث الدراسية، وعلى المدارس والمعلمين بوجه خاص توجيه الطلبة إلى متابعة تفعيل جميع وسائل التعلم عن بعد مع التعليم بالمواجهة داخل الغرفة الصفية والتكيف مع المرحلة الجديدة.

 

لقد أصبح التعليم في عصر الثورة الرابعة أكثر مرونة وسهولة وفاعلية ومواءمة بين التعلم عن قرب وعن بعد وتقليديًّا وإلكترونيًّا، وفيه دور المعلم لا يتوقف على الأداء داخل الحصة الصفية بل هو دور مستمر لتوجيه الطلبة والإشراف على تعلمهم داخل الحصة الصفية وخارجها؛ لأنَّ المعلم مكوّن رئيس للتعلم عن بعد وعن قرب من خلال استحداث وسائل وطرائق جديدة في مساعدة الطلبة على التعلم والبحث واستحداث النشاطات الإثرائية التي تغني العقل، وهي حقيقة تعبر عن عظمة العقل والشعب والأمة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: " فإني مُباهٍ بكم الأمم يوم القيامة" . والله من وراء القصد.

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023