استهداف اميركا لشخصية بوزن قاسم
سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني وبحجمه ، وما يمثله من رمزية عسكرية لها
انعكاسها وتأثيرها في هيبة ايران وقوتها العسكرية وامنها القومي ، يعني ان اميركا
فتحت المواجهة معها على كل الاحتمالات ، وتحولت من سياسة الحروب بالوكالة الى
المواجهة المباشرة ، واخذت باعتبارها كل الاحتمالات والتهديدات وردود الفعل
الايرانية الغاضبة والانتقامية ، والتعامل معها بجدية حتى وان تجاوزت السقوف ،
وذلك تحت وطأة هذه الضربة الصاعقة والمؤلمة التي لم تكن تتوقعها ايران .. ما يفسر
اعادة انتشار الولايات المتحدة لجيوشها في المناطق المتوقع ان تكون في دائرة
الاستهداف ، كقواعدها العسكرية في العراق وسوريا وافغانستان وبوارجها وقطعها
البحرية في مياه الخليج وبعثاتها الدبلوماسية المنتشرة في المنطقة والمنشأت
النفطية العائدة لحلفائها وغيرها . فالولايات المتحدة على ما يبدو شعرت انها بحاجة
الى ان تعيد اعتبارها في المنطقة التي تركتها على وقع تراجعها وانكماشها فيها
واعتمادها سياسة النأي بالنفس عن النزاعات والصراعات التي تشهدها ، حيث قامت بسحب
قواتها من العراق وسوريا وافغانستان ، الامر الذي دفع باطراف اخرى كروسيا وايران
وتركيا الى تعبئة هذا الفراغ عبر تدخلها وتعاطيها مع الازمات الاقليمية في سوريا
والعراق وليبيا واليمن وحتى لبنان بما يتوافق ومصالحها وتعزيز نفوذها ، والتي جاءت
على حساب مصالح اميركا ونفوذها وهيبتها وحتى مصالح حلفائها الذين فقدوا ثقتهم بها
وشعروا انها خذلتهم وتخلت عنهم . فروسيا الساعية الى استعادت مكانتها الدولية
وامجادها ابان الحقبة السوفياتية والسيطرة على الثروات الطبيعية تتحكم بالملف
السوري وتتدخل في ليبيا ، وايران تبسط نفوذها واذرعها الطائفية في اربع عواصم
عربية ، واحيانا بمساعدة الولايات المتحدة نفسها بذريعة محاربة الارهاب ، بينما
تركيا تتوغل في الاراضي السورية وتطرق الابواب الليبية وتفرض وجودها في منطقة شرق
المتوسط حيث الاحتياطات الضخمة من مصادر الطاقة .
يضاف الى ذلك ان الولايات المتحدة شعرت
بالحرج ، وبما يشبه التعرض لهيبتها وكرامتها ، عندما لم ترد على هجمات ايران
واستفزازاتها التي استهدفت مصالحها ومصالح حلفائها ، حيث اسقطت لها طائرة
استطلاعية مسيرة ، وهاجمت المنشأت النفطية لشركة ارامكو السعودية بواسطة ذراعها
الحوثي ، وهددت امن الملاحة البحرية وحركة السفن التجارية وامدادت النفط في مياه
الخليج ، وهاجمت قاعدة عسكرية اميركية في كركوك شنها الحشد الشعبي اسفرت عن مقتل
مقاول اميركي واصابة اخرين ، وصولا الى الضربة القاسمة التي تمثلت باقتحام السفارة
الاميركية في العراق على يد مناصري الحشد الشعبي ايضا ، مما اعادها بالذاكرة الى
قضية الرهائن الاميركيين في سفارتها في ايران
. اضافة الى ما صرح به وزير الدفاع الاميركي مايك إسبر بان ايران كانت تخطط
لشن هجمات على اهداف ومصالح وجنود ومواطنين وبعثات دبلوماسية اميركية في المنطقة ،
وان استهداف سليماني يندرج في اطار الاجراءات الاستباقية التي اتخذها بلاده .
مما يعني ان الولايات المتحدة ارادت
توجيه عدة رسائل ، وتحديدا الى ايران وروسيا وتركيا وحتى الى حلفائها ، بانها
موجودة في المنطقة التي ما تزال تعتبر في دائرة نفوذها ومصالحها واولوياتها وعلى
اجنداتها ، وان قواعد اللعبة قد تغيرت وانها امام لحظة تحول في سياستها في المنطقة
لردع ايران وتحجيمها ، والحد من تنفيذها مشروعها البري الطائفي من حدودها الى
لبنان عبر الاراضي العراقية والسورية . كما وان على روسيا الالتزام بحدودها وعدم
الذهاب بعيدا في تطلعاتها في المنطقة وتعاطيها مع ازماتها وملفاتها بشكل بات يهدد
المصالح الاميركية ، والحال ينطبق على تركيا التي ترى اميركا بانها خرجت بتصرفاتها
الاستفزازية حدود قواعد اللعبة المتفق عليها ، بذهابها حد التوافق والتفاهم مع
روسيا في سوريا وليبيا وربما شرق المتوسط والتعاون معها عسكريا .. في الوقت الذي
تبعث فيه برسالتها الى حلفائها التقليديين في المنطقة بهدف استعادة ثقتهم بعد ان
تركتهم عرضة للاستهداف من قبل التحالف الروسي الايراني التركي غير المعلن .