بات امرا
طبيعيا ان تسمع موظفا حكوميا يتحدث عن حالة الاحباط التي يعاني منها بفعل الاساليب
الرقابية التي يخضع لها في عمله من قبل اناس لا يعلمون شيئا من أبجديات الرقابة
الا انها تصيد الاخطاء والمخالفات والسلبيات ، دونما استفادة او مراعاة للنتائج
التي توصل لها علم الادارة الحديث والنظريات والمدارس الادارية الحديثة ، باعتبار
راحة الموظف او العامل وحفزه وتشجيعه ورفع روحه المعنوية هي الضمانة لتحقيق مصلحة
العمل ورفع مستوى الانتاجية . وذلك على العكس تماما مما نلاحظه ونتابعه في هذه
الايام من قبل بعض ( مراهقي ) الرقابة الداخلية في الكثير من مؤسسات الدولة
المختلفة الحكومية والرسمية وغيرها ، وحتى في القطاع الخاص ، الذين لا يعرفون منها
الا انها الرقابة العدمية والسلبية القائمة على الظلم والاحباط وتلويث بيئة العمل
بالحقد والكراهية ( لقناعتهم ) بانها طريقهم نحو كسب رضا المسؤول وثقته .
في الوقت الذي
لا ترى الايجابيات والنجاحات طريقها الى تقاريرهم وتقاييمهم .. وكأنها لا تعنيهم
ولا تستوقفهم لانها ليست من اهدافهم ولا اولوياتهم . طالما ان مهمتهم مرتبطة
بفهمهم الخاطئ ( والمقصود ) لمعنى الرقابة
، وبما يتماهى ونفسيات بعضهم المريضة في اشباع رغباتهم وغرائزهم في النيل من
الاخرين واستهدافهم .. حتى وان كان ثمن
ذلك تدمير مستقبلهم وتحطيمهم والتسبب بطردهم او اقالتهم او الاستغناء عن خدماتهم .
يقابل ذلك وجود مسؤول طارئ على المنصب ، يشجع على هذه الظاهرة من خلال اعتماده لما
يكتبه هذا البعض غير المسؤول من تقارير سلبية مجردة من الانسانية ، والتعاطي معها
كمرجعيات معتمده لتقييم اداء الموظف والحكم على مستقبله الوظيفي ، دون ان يكلف
نفسه التأكد من مدى صحتها والتحقق منها ، مكتفيا بالجلوس خلف مكتبه لتقرير مصير
الموظف ، طالما ان هناك من يزوده بتقارير ظالمة ومجحفة لا تمت للواقع بصلة . هذا
ان لم يكن هو نفسه من يحرض المراقبين ويشجعهم على على اتباع هكذا اساليب رقابية
محبطة اساسها تصيد اخطاء الموظفين للتخلص منهم في اقرب فرصة بحجة التقارير الضعيفة
المدبرة والموجهة للاطاحة بهم ، تماشيا ربما مع توجه المؤسسة التي يديرها في تبني
هكذا سياسات فاشلة من اجل تطفيش الموظفين وطردهم بغية الحفاظ على بيئة العمل التي
تخدم مصالحه ومصالح جماعته . وذلك بدلا من تعريف الموظفين باخطائهم ومخالفاتهم
ليتمكنوا من تصويبها وتجاوزها ( بافتراض حسن النوايا وصحة ما جاء بالتقارير المكتوبة بحقهم ) . اضافة الى
ضرورة التفكير باعادة تأهليهم واخضاعهم لدورات تدريبية لتطوير مهاراتهم وقدراتهم
الوظيفية . خاصة اذا ما كانوا من الموظفين
الجدد وحديثي التخرج ، الذين غالبا ما تكون معرفتهم الوظيفية محدودة ومتواضعة بسبب غياب الخبرة والتجربة العملية لديهم ..
ويحتاجون الى من يشجعهم ويمنحهم الفرص للتكيف مع بيئة العمل الجديدة .. ومع ذلك
اجتهدوا وقدموا ما لديهم من امكانات وقدرات ومؤهلات .. دون ان تقدم لهم المؤسسة التي يعملون اي مساعدة لتطوير
مهاراتهم وقدراتهم .. سوى انها استغلت الوضع الخارج عن ارادتهم في تحطيم امالهم
وتطلعاتهم الوظيغية المستقبيلة ، والتعاطي مع الموقف كنقطة ضعف عند رقابتهم وتقييم
ادائهم تمهيدا للتخلص منهم .
ومع انتشار المحسوبية والشللية في بعض مؤسساتنا
، فلا عجب ان نجد هناك ما يشبه عصابات ولوبيات العمل التي تلتف حول مصالحها
واجنداتها الخاصة ، مستهدفة كل من تشعر انه سينافسها هذه المنافع والمصالح من خلال
توظيف ادواتها الرقابية المختلفة داخل المؤسسة في سبيل اعاقته والتحريض ضده والنيل
من سمعته الوظيفية والشخصية بالاساءات والافتراءات والتقارير الجائرة المجحفة ،
مستغلة قربها من الادارة ربما في قلب الحقائق وطمسها واخفائها ، وتحويل مكان العمل
الى ساحة للانتقام وتصفية الحسابات الشخصية .
وبما ان هذا
المرض الاداري قد تمكن من بعض مؤسساتنا ، فلا عجب ان تنتقل العدوى الى بعض
الحكومات الاردنية في التعاطي مع الاصلاح الاداري وتطوير الاداء من خلال تهديد
الموظف بالعقوبات وتغليظها ، بدلا من
التفكير بمنحه الحوافز والامتيازات لحفزه وتشجيعه على العمل وزيادة انتاجيته . ما
يعيدنا الى مقترح التعديل على نظام الخدمة المدنية في عهد حكومة سابقة ، يقضي بطرد
الموظف اذا حصل على تقييم ضعيف لعامين متتاليين . معتقدة انها بهذا التعديل العقيم
انما تعمل على تفعيل مسار الاصلاح الاداري وتطويره ، بدلا من السعي لتوفير بيئة
عمل ملاءمة ومريحة له ، كفيلة برفع روحه المعنوية وتحسين نفسيته وادائه ، وبدلا من احباطه وتهديده بالعقوبات، استنادا
الى تقارير وظيفية يفترض انها تعكس اداء الموظف، الذي قد يكون ضحية عملية تقييمية
ظالمة وجائرة خاضعة للشخصنة والاعتبارات الخاصة .