ماهر ابو طير
يثير وصول دونالد ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة الاميركية، ذعر العالم العربي، هذا على الرغم من ان الكل يعرف ان الحملة الانتخابية وشعاراتها، تختلف تماما عن حكم الولايات المتحدة.
برنامج ترامب لايمكن تحويله كليا الى واقع، فأي رئيس جديد للولايات المتحدة، محكوم بعوامل معينة تضبط اداءه، من مجلس النواب والكونغرس، مرورا بمؤسسة الامن القومي، بكل اجنحتها العسكرية والامنية، وصولا الى الرأي العام الاميركي، والقوى الصناعية والاقتصادية والعسكرية.
في معادلة ترامب نقاط قوة لصالحه، ابرزها النواب والكونغرس، وهو مقيد ضمنيا، برؤية المخابرات المركزية الاميركية ووزارة الدفاع، وقوة اخرى لها شراكتها في القرار في الولايات المتحدة الاميركية، وهذا يعني ان لاصلاحية مطلقة للرئيس في اميركا، فهو يخضع لاعتبارات كثيرة، دون ان يمنع ذلك بطبيعة الحال، من قدرته على صياغة مواقف او قرارات، مختلفة، عن سابقيه.
اغلب الرؤساء الاميركان لم يحققوا الا جزءا محددا من برامجهم الانتخابية، اذ بعد الوصول الى البيت الابيض، يبدأ الرئيس بالخضوع التدريحي لاراء المستشارين، وتوجهات مؤسسات القرار الاخرى، والدراسات والتقييمات، فتبدأ سرعة اي رئيس اميركي بالانخفاض، مقارنة بسرعته حين كان مرشحا، فهو الان مطلع على اسرار وتفاصيل كثيرة، تجعله يغير بوصلته السياسية.
في حالة ترامب، لايمكن القول انه سيخضع كليا لكل هذه التأثيرات، اذ هناك مساحات سوف يتحرك فيها، بدعم من تغييرات على مواقع عدة في مؤسسة القرار في الولايات المتحدة، والمعروف هنا، ان كل رئيس اميركي جديد، يستعين بطاقم جديد، وهذا يعني ان ترامب لن يرث مؤسسة اوباما، بالمعنى الحرفي، وبالتالي، سوف ينتج طاقما يتبنى اراء اقرب الى توجهاته، هذا فوق تمدد الجمهوريين في مجلس النواب الاميركي والكونغرس، بما يدعمه بقوة.
نحن اذا امام تغيرات مقبلة على صعيد سياسات الولايات المتحدة الاميركية، لكنها تغيرات بطيئة، وليست بالسرعة التي يتوقعها الناس، لكن جبهات العلاقة مع دول الخليج العربي، وملفات سورية والعراق وايران، وغير ذلك، ستكون عرضة لاعادة انتاج بدرجات متفاوتة، اذ يستحيل ان تعادي الولايات المتحدة كل هذه المنطقة، اذا قررت هذه الادارة تتبع تصريحات ترامب، وتوجهاته، والاغلب ان هناك مقاربات سوف يتم تبنيها، تؤدي الى سياسة من نوع آخر، لكن المؤكد ان كل المنطقة، باتت عرضة لاعادة الصياغة، بطريقة مختلفة تماما، عما رأيناه الفترة الماضية.
ترامب لم يوفر احدا، اذ هاجم الروس واوروبا والناتو والعرب والمسلمين، ولم يترك احدا من نقده او تجريحاته، ولا يعقل ان تكون هذه هي سياسة الولايات المتحدة، بعد تعميده رئيسا مطلع العام المقبل، لكن ماهو مؤكد اننا ندخل عصرا صعبا جدا في العلاقات مع واشنطن، على كل الاصعدة، لا ينفع معه الاسترضاء، ولا التنازل، ولا تقديم مزيد من الخدمات لواشنطن، لان الواضح، ان واشنطن سوف تنزع الى ممارسة القوة العلنية، بطريقة مختلفة، تقول ان كل هذه المنطقة، لاقيمة لها الا بثرواتها، فقط، دون اي اهمية لاي شيء آخر.
ما سنراه بعد قليل، سياسة تقوم على تحديد اعداء واشنطن، وتحديد الاصدقاء، لان حملة ترامب، وضعت السعودية وايران في سلة واحدة، مثلما وضعت الناتو والاوروبيين والمسلمين في سلة واحدة، وهذا امر جنوني بحق، ولا يمكن ان يستمر عبر معاداة كل العالم بهذه الطريقة، ولحظة تحديد ملامح السياسة الاميركية الخارجية، تكون الادارة الجديدة، قد حددت، العدو الذي تريد اعتباره صديقا، والصديق الذي تريد تحويله الى عدو.
عن الدستور