بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
ما كان العالم ليتوقع ان تصل الامور ببعض
الادارات الاميركية الى هذا المستوى من التحدي ، لدرجة الانقلاب على الثوابت
والمرجعيات والقرارات الدولية ، بطريقة قد تقوده الى الفوضى والانفلات على وقع
قرارات الرئيس الاميركي دونالد ترامب الصادمة للاسرة الدولية ، لما انطوت عليه من
تطاول واستقواء على القواعد والمبادئ التي تقوم عليها المنظومة الدولية والعمل على
تفكيكها وعدم احترامها ، وذلك رغم الدور الكبير الذي اضطلعت به هذه الادارات
الاميركية في وضع هذه القواعد والمبادئ لحفظ الامن والسلم الدوليين وادامتهما ،
تحت مظلة الامم المتحدة بوصفها احد مخرجات النظام الدولي الذي سيطرت عليه الولايات
المتحدة لفترات طويلة بصورة قادتها خلال السنوات الاخيرة الى التربع على قمته ،
تتويجا لامكاناتها وادواتها الفاعلة والمؤثرة في الساحة العالمية ، حد وصفه
بالاحادي القطبية . وبدا ان دول العالم قد انصاعت وقبلت بهذا الواقع واعترفت به ،
وان كان ذلك مشروطا بعدم اساءة هذه الاحادية من قبل الولايات المتحدة ، التي على
ما يبدو انها لم تراعي او تحترم هذا الشرط العالمي ، عندما اخذت ادارة الرئيس
ترامب تنقلب عليه على وقع قراراتها الاحادية التي اخذت تزعزع اركان المنظومة
الدولية وقواعدها وتهددها بالانهيار ، حيث انسحبت من بعض الاتفاقيات ( مثل اتفاقية
باريس للمناخ واتفاقية الشراكة عبر الهادي واتفاقية التبادل الحر وغيرها )
والمنظمات الدولية (مثل مجلس حقوق الانسان واليونسكو وغيرهما ) ، ووافتعلت الازمات
والصراعات مع اطراف دولية اخرى ، كما هو الحال في حربها التجارية مع الصين وبعض
الاقطار الاوروبية والاسيوية ، ووصل بها الحد ان تضرب بقرارات الشرعية الدولية عرض
الحائط ، وهي تنحاز للكيان الاسرائيلي بشكل فاضح ومكشوف على حساب الشعب الفلسطيني
وحقه في تقرير مصيره واقامة دولته وفقا لهذه القرارات والمرجعيات الدولية ،
لاعتبارات مصلحية ضيقة مرتبطة بتطلع ترامب للفوز بدورة رئاسية ثانية من خلال دعمه
للتيار اليميني الاسرائيلي المتطرف الذي يقوده رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو ،
حيث قررت ادارة الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارة بلاده
اليها ، والاعتراف بضم اسرائيل للجولان ، واعتبارها قبل ايام بناء المستوطنات
الاسرائيلية غير مخالف للقانون الدولي . الامر الذي جعل اطرافا دولية تشعر بالقلق
وبالخطر المحدق بالمنظومة الدولية جراء هذه التصرفات الاميركية غير المتزنة وغير المسبوقة
وغير المسؤولة ، لتأتي الترجمة الفورية عليها من قبل المجتمع الدولي بالادانة
والاستنكار والتصويت ضدها لمخالفتها وانتهاكها وخرقها للقانون الدولي وميثاق الامم
المتحدة ، بشكل جعل الولايات المتحدة وحيدة وفي عزلة وهي تشعر بالعجز عن التأثير
في الكثير من دول العالم ، بما في ذلك الدول الحليفة لها ، وحتى تلك التي تنتمي
الى العالم الثالث وتتلقى منها المساعدات ، ومحاولة كسب تأييدها الى جانبها في هذه
الخطوات والمواقف الاستفزازية ، التي تجسد انقلابا على المرجعيات العالمية وتحديا
للاسرة الدولية ، لتضع الولايات المتحدة نفسها في موقف حرج .. لا تحسد عليه ولا
يليق بها كدولة عظمى لها مكانتها وهيبتها ، وهي تدخل في مواجهة خاسرة مع المجتمع
الدولي تردد صداها قبل يومين في مجلس الامن ، الذي انتفض دفاعا وانتصارا لقرارات
المنظمات والهيئات الدولية التي انصفت الجانب الفلسطيني في صراعه مع الكيان
الاسرائيلي ، وقد أكدت على عدم شرعية النشاط الاستيطاني ومخالفته وانتهاكه للقانون
الدولي ، لتظهر الولايات المتحدة كدولة متمردة وخارجة على الشرعية الدولية وتسعى
الى تكريس قانون الغاب بدعمها ووقوفها الى جانب الكيان الاسرائيلي المعتدي
والمنبوذ والمتمرد الذي لا يحترم المواثيق والعهود الدولية .
مما يجعل دول العالم امام تحدي حماية المنظومة الدولية من عبث الادارة
الاميركية بعد ان باتت بصورة الاشارات والرسائل السلبية والخطيرة ، التي بعثتها
هذه الادارة بانحيازها الفاضح للجانب الاسرائيلي وانقلابها الخطير على الحقوق
الفلسطينية المشروعة ، والتي يفترض بالدول الفاعلة والكبرى الاخرى كروسيا والصين
والدول الاوروبية وبعض الاطراف العربية والاسلامية ان تكون التقطتها ، بحيث
تبدأ باعادة حساباتها ، بطريقة تجعلها
تفكر بتغيير تركيبة النظام الدولي وشكله من الاحادية الى متعدد الاطراف من خلال
طرح سيناريوهات وتحالفات جديدة لتشكيل جبهة دولية موحدة لمواجهة الولايات المتحدة
وضبط تصرفاتها ومواقفها الاستفزازية التي اخذت تهدد المنظومة الدولية بالخطر على
وقع تحديها وتطاولها على القواعد والاسس والمعايير الناظمة لحركة هذه المنظومة التي
يعول عليها كثيرا في تحقيق الامن والسلم والاستقرار الدولي .