بقلم: د هايل ودعان الدعجة
يبدو ان السلطة الوطنية الفلسطينية ، باتت مقتنعة أكثر من أي وقت مضى ، بضرورة تغيير نهجها وأسلوب تعاملها مع الكيان الاسرائيلي والانتقال إلى حالة من التصعيد كفيلة بمواجهة سياستة القائمة على المراوغة وكسب الوقت لفرض وقائع جديدة ، والاستفادة من الموقف الأميركي المنحاز والداعم له . مما دعا السلطة الفلسطينية إلى التفكير بالذهاب بعيدا في موقفها من الصراع مع هذا الكيان الغاصب على غرار دخولها في مواجهة سياسية مع الجانب الاميركي عندما قررت قطع الاتصالات معه وعدم استقبال ممثليه ومبعوثيه الى المنطقة ، وكذلك رفض مبادراته وصفقاته المنحازة للجانب الاسرائيلي ، واخرها مبادرة المنامة الاقتصادية التي افشلها الجانب الفلسطيني بعدم حضوره فعالياتها . بطريقة عكست وجود ارادة فلسطينية حقيقية وصلبة ، بان لا تهاون ولا تنازل عن الثوابت والحقوق الفلسطينية ، حتى لو كان ثمن ذلك اغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن ، وقطع اميركا مساعداتها المالية للفلسطينيين ، وايقاف مساهمتها المالية في الاونروا ، بعد ان كشفت عن حقيقة موقفها المنحاز باعلانها القدس عاصمة للكيان الاسرائيلي ونقل سفارتها الى القدس بهدف تصفية مسألتي القدس واللاجئين تمهيدا لتصفية ملف القضية الفلسطينية . مما يؤشر الى ان الجانب الفلسطيني مطالب بهذا التحرك النوعي في نهجه وسياسته ، ليبقي الزخم الدولي ويلفت نظر المنظومة الدولية الى ضرورة تحمل مسؤولياتها والدفاع عن قراراتها التي انصفته واقرت بعدالة حقوقه . الامر الذي قد يدفع بالجانب الاميركي ويجبره على اعادة التفكير بطروحاته وحساباته المنحازة ، وهو يرى نفسه امام هذا الموقف الفلسطيني الصلب والحازم الذي يرفض كل التهديدات وحتى الاغراءات المالية والاقتصادية في مقابل التنازل عن حقوقه الشرعية التي اقر بها المجتمع الدولي . حيث قرر الجانب الفلسطيني الذهاب إلى أبعد من ذلك في تحديه للجانبين الأميركي والإسرائيلي دفاعا عن حقوقه ، عندما أعلن قبل ايام على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقف العمل بالاتفاقيات الموقعه مع الجانب الإسرائيلي غير الملتزم بها اصلا ، والذي اعتاد على خرقها بمواصلته اتخاذ إجراءات أحادية واقامة المشاريع الاستيطانية وتكريسه لنظام الفصل العنصري وإقرار قوانين عنصرية وقتل الفلسطينيين والتنكيل بهم وهدم منازلهم ومصادرة أراضيهم وتغيير الوضع القائم في القدس واقتحام باحات المسجد الاقصى من قبل المستوطنين المتطرفين اليهود . ووصلت الأمور بالكيان الإسرائيلي حد هدم منازل فلسطينية في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية ، ووقف تحويل أموال ضريبية لمصلحتها . مما يؤكد على أن الجانب الفلسطيني لم يعد يقبل الوقوف صامتا ولا متفرجا على جرائم الاحتلال الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني .
فرغم رد الفعل الاسرائيلي على هذه الخطوة الفلسطينية الجريئة ، بالتهديد بإعادة اعتقال الأسرى الذين أطلق سراحهم نتيجة توقيع هذه الاتفاقيات ، ووقف التصاريح للعمال الفلسطينيين داخل إسرائيل ، واعتبار مقرات السلطة الفلسطينية بؤر إرهاب ، فإن الأمور مرشحة لمزيد من التأزيم والتعقيد في ظل احتمال حل السلطة الفلسطينية التي جاء تشكيلها وفق هذه الاتفاقيات ، التي وقعت احداها عام 1993 في البيت الأبيض ، ونصت على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي في مدة لا تتجاوز خمس سنوات ، الأمر الذي لم يلتزم به الجانب الإسرائيلي . مما قد يدفع بالجانب الفلسطيني إلى اتخاذ هذه الخطوة ، سعيا منه ربما للإلقاء بمسؤولية الأراضي المحتلة على عاتق الاحتلال الإسرائيلي ، ونقل الملف الفلسطيني إلى الأمم المتحدة وتحميلها المسؤولية وتسليمها مقاليد الأمور في مواجهة دولة الاحتلال سعيا لتحريك الجهود الدولية وتفعيلها وانضاجها دفاعا عن الحقوق الفلسطينية ، خاصة وأن اتفاقية أوسلو التي انشأت بموجبها السلطة الفلسطينية تعتبر اتفاقية دولية .
دون أن يغفل الجانب الفلسطيني تداعيات أو انعكاسات أخرى ، قد تترتب على قراره ، ممثلة بقيام اسرائيل باحتلال المناطق التي تسيطر عليها السلطة للاستيلاء على أسلحة الأجهزة الأمنية ، والقيام بحملة اعتقالات إدارية وأمنية تطال عناصر وكوادر فلسطينية داخل السلطة وخارجها . مع احتمالية تفكير الكيان الاسرائيلي بإيجاد قيادة فلسطينية بديلة ، وربما ترجيح فكرة إقامة دولة غزة ، كبديل عن دولة فلسطين . وكذلك فقدان حوالي 200 ألف موظف مدني وامني فلسطيني لوظائفهم ، وخسارة المنح والهبات المقدمة للسلطة الفلسطينية من دول عربية واجنبية مرتبطة أساسا بوجودها .
في المقابل فإن هذا القرار الفلسطيني قد يؤدي إلى تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام الداخلي ، وإحياء خيار المقاومة والانتفاضة والعمليات الفلسطينية الهجومية ضد الكيان الاسرائيلي ودخوله في مواجهات مفتوحة مع الشعب الفلسطيني وعناصر المقاومة . إلى جانب إنهاء التنسيق الأمني الذي خدم كثيرا هذا الكيان من خلال كشف الكثير من البنى والعناصر والهياكل التنظيمية لقوى المقاومة الفلسطينية المسلحة .