بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
كلنا كمجتمع او كشارع اردني، وبمختلف
مكوناته وشرائحه الشعبية والبرلمانية والسياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني،
انتقدنا الحكومات الاردنية المتعاقبة ولمناها على تقصيرها وعدم جديتها في التعاطي
مع ملف التهرب الضريبي ومحاربته، بعد ان حرم الدولة من ايرادات ضريبية تتراوح ما
بين ٦٠٠ الى ٨٠٠ مليون دينار .
وعندما قامت الحكومة الحالية باتخاذ
خطوة وطنية جريئة، تمثلت في وضع نظام فوترة، تفعيلا لنص المادة ( ٢٣/ و ) من
قانون ضريبة الدخل المعدل رقم ٣٨ لعام ٢٠١٨، بهدف محاربة ظاهرة التهرب الضريبي،
انبرت بعض الجهات والاطراف ، مطالبة باستثنائها من هذا النظام، الذي يمثل
مظلة قانونية وتشريعية اردنية يقتضي تطبيقها على الجميع .. مواطنون ومؤسسات دون استثناء،
ترجمة لنص دستوري واضح وصريح ينص على ان الاردنيين امام القانون سواء، وتماهيا مع
المطالب المجتمعية الاصلاحية بترسيخ مفهوم دولة القانون والمؤسسات . مما يعني عدم
شرعية مطالب بعض الجهات والمؤسسات والنقابات بعدم شمولها بهذا النظام الضريبي،
خاصة انها هي نفسها تستند في عملها وتعاملها مع الاخرين الى مرجعيات قانونية
تساعدها على اداء وظيفتها . في تأكيد على ان التشريعات والقوانين المختلفة هي في
المحصلة للدولة الاردنية، وتطبق على الجميع ولا مجال لتجزئتها او اقتصارها على فئة
او شريحة دون غيرها . مع ضرورة التأكيد هنا ايضا بان نظام الفوترة الذي ينظم
العلاقة بين اطراف المعادلة الضريبية البائع والمشتري ودائرة الضريبة، والذي يمثل
احد اهم أليات وادوات التحصيل ..، انما هو حصيلة توافق وطني من اجل تسهيل
العمليات الضريبية لجميع الاطراف المعنية، وتنظيم العمليات المالية ذات الاثر
الضريبي ومراقبتها، وتحسين الادوات والاليات اللازمة للادارة الضريبية، والمساهمة
في توفير الضوابط اللازمة لمحاربة أفة التهرب وتحسين اليات التحصيل .
وبما ان موضوع الضريبية بشكل عام، يجسد
اداة تعبيرية لمعنى المواطنة والولاء والانتماء، ويرتبط بالامن الاقتصادي والمال
العام والخدمات المقدمة للمواطنين، فهذا يتطلب التعاطي معه كاستحقاق وطني كونه حق
للوطن والمواطن، الذي تقع عليه مسؤولية تفعيل نظام الفوترة وتطبيقه من منطلق
المسؤولية المجتمعية المشتركة، التي تحتم عليه الحصول على فاتورة عند شراء اي سلعة
او الحصول على اي خدمة مدفوعة الثمن كحق له لا يجوز التنازل عنه او التفريط به،
الامر الذي يتطلب تكريس ثقافة الفوترة في المجتمع الاردني، تحقيقا للمصلحة الوطنية
في تأمين مورد مالي يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي وزيادة نسبة النمو ،
وتخفيض نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي، الذي بلغ حوالي ٩٥% تقريبا،
بعيدا عن سياسة الاقتراض . بحيث يصبح بمقدور الحكومة الاعتماد على الايرادات
الضريبية في تعزيز الايرادات المحلية وزيادتها، بعيدا عن جيب المواطن وتضييق
الخناق عليه وارهاقه بالضرائب والرسوم ورفع الاسعار وغير ذلك . مما يجعلنا نجزم بان
حصيلة الاجراءات والسياسات الاقتصادية والمالية الحكومية، التي جاءات على حساب
معيشة المواطن، واثقلت كاهله ،ربما لم تبلغ في مجموعها حجم المبالغ التي خسرها
الوطن جراء التهرب الضريبي . ولمعرفة خطر التهرب الضريبي وتبعاته السلبية على
الاقتصاد الاردني، يكفي ان نشير الى الدراسة التي اجراها منتدى الاستراتيجيات
الاردني قبل فترة، وبين فيها ان مجموع الايرادات الضريبية من حوالي ١٥٠ الف من
المهنيين من مهندسين واطباء ومحامين ومكاتب استشارية وغير ذلك، ومن الشركات
الصغيرة والمتوسطة بلغ حوالي ٧٥ مليون دينار فقط، وبواقع ٤٠٠ الى ٤٥٠ دينارا سنويا
كايراد ضريبي عن كل مهني او شركة، لنكتشف اننا بالفعل امام معضلة كبيرة تسمى
التهرب الضريبي، التي تتطلب المعالجة والمكافحة . ومن اجل تسليط الضوء على هذه
الظاهرة وتداعياتها الخطيرة وزيادة الاهتمام بها، قمت خلال وجودي كعضو في مجلس
النواب السابع عشر السابق، بتوجيه سؤال
الى دائرة الافتاء، حول الحكم الشرعي في مسألة التهرب الضريبي، حيث جاء الرد ..
بان الامن الاقتصادي الوطني وصيانة المال العام مقاصد شرعية وامانة يجب على الجميع
اداؤها والمحافظة عليها، كما أمر الله عز وجل حيث قال ( إن الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ..)، وان أصحاب
الأموال عليهم مسؤولية تجاه المال العام والضريبة، وهم يعلمون ان الأمانة في حفظها
وادائها تساهم في مسيرة الإصلاح والنهضة المنشودة، فلا يجوز ان يمتنع احدهم عن ذلك
.