بقلم: د. مصطفى البرغوثي*
يجب أن لا تمر نتائج الإنتخابات الإسرائيلية مرور الكرام، أو أن يجري التعامل معها كأمرعادي مكرر.
هذه الإنتخابات كشفت بجلاء لم يعد يحتمل المرواغة، أو الضبابية، حقيقة وجوهر السياسات الصهيونية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني.
الثابت في هذه السياسات هو أن الحركة الصهيونية، وهي مجسدة اليوم في مؤسسات الدولة الإسرائيلية، تواصل نفس الإستراتيجية التي بدأتها مع بداية القرن العشرين.
الإستيلاء على الأرض الفلسطينية بالسلب، والتزوير، والإغراءات، والقوة العسكرية، والقوانين الجائرة، ثم نشر المستعمرات الصهيونية وتوسيعها تدريجيا، ثم فرض السيادة الإسرائيلية عليها .
بإختصار، إنها إستراتيجية الضم، والتهويد، والقضم التدريجي، وترحيل أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين .
وإذا كانت الحركة الصهيونية تتعمد في السابق إخفاء مقاصدها وتناور، فإنها تشعر اليوم أنها في أقوى حالاتها محليا، وإقليميا، ودوليا، ولا تحتاج لتمويه أهدافها.
وهذا هو مغزى الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة عندما صوت الجمهور الإسرائيلي بغالبيته الساحقة لسياسة الضم، والتهويد، والعنصرية والأبرتهايد، ولا فرق هنا بين معسكري نتنياهو وغانتس .
أحد المؤشرات المهمة أن من يؤيدوا ما يسمى " بحل الدولتين" فازوا بأربعة عشر مقعدا فقط من أصل مائة وعشرين مقعدا، أحد عشر منها للفلسطينيين العرب، أي أن نسبة اليهود الإسرائيليين الذين يؤيدون حل الدولتين ( منقوصا) هو أقل من اثنين بالمئة.
هذه الإنتخابات كانت إعلاناً إسرائيلياً صافيا بموت " حل الدولتين"، وموت " اتفاق أوسلو"، وموت كل فكرة الحل الوسط بين إسرائيل والفلسطينيين .
وأكثر من ذلك، فإن هذه الإنتخابات كرست نظام الأبارتهايد العنصري بكل مكوناته، وفي مقدمتها قانون القومية .
وعندما فاز معسكر نتنياهو بأغلبية غير مسبوقة، فإنه فاز على قاعدة إعلان نيته ضم كل المستعمرات الاستيطانية في الضفة الغربية ، أي ضم كل الضفة الغربية.
ويجب أن لا يصغى أحد بعد اليوم لمساخر بعض المهزومين، الذين سيعودون لترديد أن تصريحات نتنياهو كانت مجرد دعاية انتخابية، فجرافات نتنياهو، وقوانينه العنصرية سبقت تصريحاته .
الثابت في التحدي الإسرائيلي هو أن المنظومة الصهيونية الإسرائيلية تريد كل فلسطين ولليهود فقط، ومن ما زال متشككا في ذلك عليه أن يقرأ قانون القومية مرة أخرى.
لكن هذا الثابت ، خلق تحديات و أسئلة متغيرة وجديدة أمام الجانب الفلسطيني، وخاصة أمام المؤسسة الرسمية.
التحدي الأول : ما هو الهدف الاستراتيجي للشعب الفلسطيني بعد ان دفنت إسرائيل خيار المفاوضات و "حل الدولتين"؟
و كيف يمكن التوافق على هذا الهدف الاستراتيجي بين كل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل، والأراضي المحتلة، والخارج؟
التحدي الثاني: كيف ستتعامل السلطة مع محاولة تحويلها بعد ضم المستعمرات الاستيطانية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، ألى مجرد إدارة ذاتية هزيلة لباتنوستانات وجيتوات صغيرة ، تستعمل كغطاء أمام المجتمع الدولي لتكريس نظام الأبرتهايد رسميا في الضفة الغربية، وتستعمل كواق للاحتلال من مسؤوليات الدولة المحتلة؟
التحدي الثالث: كيف يمكن خلق جبهة فلسطينية موحدة في وجه " صفقة القرن" القادمة، والتي لن تكون سوى تغليف خبيث لخطة نتنياهو ومنظومة الأبرتهايد ؟
التحدي الرابع: ما هي الاستراتيجية النضالية الفلسطينية لمواجهة ما أصبح حقيقة واقعة وهو نظام الأبرتهايد والتمييز العنصري؟
التحدي الخامس: ما هو الموقف الفلسطيني الرسمي، بعد كل ما جرى، من الاتفاقات التي خرقتها إسرائيل ومزقتها، بدءا من اتفاق أوسلو، ومرورا باتفاق باريس، إلى آخر الإتفاقات والترتيبات الأمنية ؟ وما هي الآلية لتحويل الشعارات التي أقرتها مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية إلى أفعال على الأرض؟
أكتفي اليوم بطرح هذه الأسئلة، وسأحاول لاحقا، مثلما آمل أن يحاول كثيرون، تقديم مقترحات للإجابة عليها، فلم يعد هناك مجال بعد اليوم للمراوحة في المكان.
*الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية