بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
عندما نكتب تحت هذا العنوان ، لا
لاننا نريد ان نثبت سورية " الجولان " وعروبتها ونؤكد عليهما ،
باعتبارهما من المسلمات والبديهيات التي لا تحتاج الى الاثبات او التأكيد .
وان الرئيس الامريكي دونالد ترامب نفسه وطاقم ادارته ، وكل من له علاقة بالقرار
الامريكي عبر الادارات والطواقم المختلفة ، يعلم مثلنا ومثل غيرنا هذه الحقيقة
الثابتة جيدا . وحتى وهو يتخذ قراره بالاعتراف بسيادة الكيان الاسرائيلي الطارئ
والمصطنع عليها ، فهو يعرف ان سورية اقدم من بلاده بألاف السنين ، وان الجولان
سورية منذ الاف السنين ايضا ، وهي تنتمي الى المجموعة الجغرافية والمناطقية التي
تشكل دولة سورية التاريخية ، بعاصمتها العريقة دمشق التي تعتبر تاريخيا من اقدم
عواصم العالم . وان وجود بلاده على قمة النظام الدولي ، لا يطمس هذه الحقائق ، ولا
يعطيه الحق او الشرعية في تجاوزها . وانما نكتب ذلك من باب الاشارة والتأكيد على
ان قراره المنعدم الاثر القانوني ، والذي يمثل انتهاكا للقانون الدولي وميثاق
الامم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية ، انما ينطوي على رسائل ويبعث باشارات
خطيرة الى كل من يهمه الامر في المنظومة الدولية ، لمستوى المخاطر والتهديدات التي
بات يشكلها الرئيس ترامب على امن العالم واستقراره ، ومن موقع المتربع على قمة هذه
المنظومة ، الذي من المفترض ان يكون هو المعني اكثر من غيره بحفظ امنها وسلامتها .
اما ان ينقلب على قواعدها وهياكلها من باب المناكفة والاستقواء دعما ومساندة
للكيان الاسرئيلي المعتدي والمحتل ، فان هذا من شأنه ان يشجع دول العالم على اعادة
تموضعها وحساباتها وتحالفاتها لمواجهة هذا التحدي ، الذي يهدد الخارطة العالمية
بالفوضى وعدم الاستقرار ، ويجعل الثقة بالقانون الدولي والمرجعيات الدولية محل شك
وقابلة للتأكل ، طالما ان القوة تبرر لمالكها الذهاب بعيدا في تحديه وتجاوزه لحدود
المنطق والارادة الدولية . مما يقتضي من الدول الكبرى وفواعل النظام الدولي
التفكير بجدية بضرورة إعادة تشكيلة هذا النظام وتركيبته من الاحادية الى متعدد
الاقطاب ، لتلافي المخاطر والسلبيات المستقبلية التي تهدد العالم ، ان هو اكتفى
بدوره السلبي في التعاطي مع الاختراقات الامريكية للمنظومة العالمية . الامر الذي
تمثل قبل ذلك في قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي ، ونقل
سفارة بلاده اليها ، رغم انها مدينة محتلة ، ولا سيادة اسرائيلية عليها ، وفقا
لقرارات الشرعية الدولية ، وانها من قضايا الوضع النهائي التي لا يحسم امرها الا
بالتفاوض . اضافة الى انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقيات وهيئات ومنظمات دولية ،
تمثل قواعد وادوات تتحكم بحركة العلاقات الدولية وتضبطها ، كأتفاقية الشراكة
عبر الاطلسي والشراكة عبر الهادي واتفاقية التبادل الحر مع كندا والمكسيك والاتفاق
النووي الايراني ( بغض النظر عن الموقف منه ) واتفاقية باريس للمناخ
والانسحاب من مجلس حقوق الإنسان ومن منظمة اليونسكو من اجل الكيان الاسرائيلي
وانتصارا له ، حتى وان كان ذلك على حساب تهديد المصالح الامريكية . ويؤثر سلبيا
بسمعة الولايات المتحدة وهيبتها ويؤدي بها الى العزلة ، عندما ثبت لها عدم فاعلية
اساليبها التهديدية في التأثير في مواقف دول العالم ، ممثلة بالتهديد بقطع
مساعداتها المالية والاقتصادية والعسكرية عن الاطراف التي لا تقف الى جانبها
، وتؤيدها وتوافق على قراراتها الخاطئة
والفاقدة للشرعية ، بما في ذلك الدول الحليفة والصديقة والفقيرة والبسيطة ، التي
اثبتت وأكدت حرصها على الشرعية الدولية أكثر من الولايات المتحدة نفسها ، التي
باتت تشكل اكبر خطر على هذه الشرعية ، والتي يفترض ان تتمسك بها وتحميها وتدافع
عنها وتحافظ عليها ، لتعزيز ثقة العالم بها كقيادة ومرجعية عالمية يعتد بهما في
استتباب الامن والسلم الدوليين . لا ان تقوم بخرق الاليات والادوات والمرجعيات
التي من شأنها تحقيق هذا الهدف .
ان الجولان لها اهلها واصحابها وناسها
الشرعيون ، الذين لن يتنازلوا او يسمحوا للأخرين ان يتصرفوا بها نيابة عنهم ،
وكأنها تابعة او مملوكة لهم . وان الحياة الدنيا مليئة بالدروس والعبر التي تؤكد
على انها كر وفر .. وصولات وجولات .. ويوم لك ويوم عليك .. وان الحقائق ثابتة لا
تتغير ، ولا بد ان تنجلي شمس الحقيقة في يوم من الايام وتعود الجولان الى حضنها
السوري العربي معززة مكرمة . وعلى الدول العربية ان تدرك حقيقة انها جميعها في
دائرة الاستهداف ، وانه قد ان الاوان لتشد بعضها بعضا كالبنيان المرصوص ، وتعيد
حساباتها وتموضعها في ظل ما تمتلكه من امكانات وقدرات تجعلها قادرة على التحكم
بتشكلية النظام الدولي ، واخراجه بالصورة التي تتوافق ومصالحها ، قبل ان يفوتها
قطار الزمن وتجد نفسها في دائرة الخطر لحساب اجندات واطماع خارجية .
ان هناك الكثير من الاطراف الدولية
الفاعلة والمؤثرة غير راضية عن الاجراءات والسياسات الامريكية التي بات من الصعب
توقعها او التنبأ بها في عهد الرئيس ترامب ، وبصورة من شأنها وسم العالم بحالة من
القلق والفوضى .. فهل تصحوا الاقطار العربية من غفوتها وسباتها ، وتتمكن من انقاذ
ما يمكن انقاذه قبل فوات الاوان ، خاصة وهي تشاهد بأم عينها المحاولات الامريكية
الرامية الى اعادة ترتيب اجندات المنطقة وتغيير اولوياتها ، لجهة دمج اسرائيل في
الاقليم وتجاهل خطرها ، وفرض التهديد الايراني بدلا منه ، كما اشرت
الى ذلك مخرجات اجتماع وارسو الذي عقد مؤخرا ، بحضور امريكا واسرائيل وبعض الدول
العربية ، وذلك رغم ان كل من اسرائيل وايران يشكلان خطرا وتهديدا امنيا ووجوديا
للاقطار العربية ، التي عليها ايضا ان ترتقي في مسؤولياتها حيال القضايا والملفات
العربية الى مستوى التحديات التي تواجهها ، وان تتماهى في موقفها من هضبة الجولان
مع البيان الخاص الذي اصدرته بشأنها في القمة العربية الاخيرة التي عقدت في تونس
، باعتبارها ارضا سورية محتلة ، وان
القرار الامريكي تجاه الجولان ، مرفوض وباطل شكلا ومضمونا ، ويشكل تعديا واختراقا
وانتهاكا خطيرا لميثاق الامم المتحدة .