القسم : بوابة الحقيقة
معركة الكرامة.. أعادت للامة كرامتها
نشر بتاريخ : 3/24/2019 12:36:37 PM
د هايل ودعان الدعجة

 بقلم: د. هايل ودعان الدعجة

 

ربما الكثير منا لم يدخل في تفاصيل معركة الكرامة ، التي شكلت نقطة تحول وعلامة فارقة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي في ظل التضحيات والانتصارات والبطولات النوعية والاسطورية التي حققها نشامى الجيش الاردني  ، بطريقة اعادت للامة العربية كرامتها وثقتها بنفسها ، ليشعر بقيمة هذه المعركة واهميتها ودورها في تقويض واجهاض العملية العسكرية الاسرائيلية ، التي هدفت الى تهديد الاردن كيانا ووجودا ومصيرا وهوية بعد ان اجتازت قوات العدو  نهر الاردن من عدة محاور ، معتمدة على عمليات تجسير وغطاء جوي ونيران كثيفة ، محاولة احتلال اراضي اردنية والاقتراب من العاصمة عمان ، لتكون بمثابة منطقة عازلة وامنة توفر للكيان الاسرائيلي عمقا استراتيجيا ، وبنفس الوقت تفرض شروطا استسلامية على الاردن ، ترجمة لسياسة الامر الواقع . خاصة ان الاردن قد خرج للتو من حرب حزيران ١٩٦٧ التي تجرعت فيها الجيوش العربية هزيمة نكراء على يد الجيش الاسرائيلي ، الذي قاده غروره وغطرسته الى التفكير باعادة الكرة على الجبهة الاردنية هذه المرة ، وفقا لحسابات وتصورات خاطئة ، اكدت انه بهذه الخطوه غير المحسوبة ، قد منح الاشاوس في جيشنا الاردني ، فرصة ثمينة كان يتحينها ، ليرد ويثأر وينتقم من هزيمة ١٩٦٧ ، التي عابها غياب التنسيق العربي وتخبط القيادة العسكرية العربية ، التي تاهت بوصلتها في قيادة المعركة على جبهات القتال ، بطريقة اشرت الى جهلها وعدم معرفتها باصول ادارة المعركة وقيادتها ، لتكون بذلك المسؤول الاول والمباشر عن هذه الهزيمة .. حتى اذا ما اتيحت الفرصة امام الجيش الاردني في معركة الكرامة  للانتقام ، بقيادة اردنية صرفة وخالصة ، بعد ان اعيد تنظيمه ، تجهيزا وتسليحا وتدريبا واعدادا بعد معركة حزيران مباشرة  ، كان العالم .. كل العالم يقف بانبهار ودهشة واعجاب شاهدا على الروح القتالية والمعنوية العالية التي تحلى بها الجندي الاردني في المعركة ، وهو يلقن العدو الاسرائيلي درسا في اصول المواجهة العسكرية ، مختزلا ( ومعوضا ) فارق الإمكانات التسليحية والعسكرية التي تميل لصالح العدو ، في الارادة والعزيمة الصلبة التي تسلح بها هذا الجندي ، واستمدها من التعبئة المعنوية التي منحها اياه المغفور له باذن الله جلالة الملك الحسين بن طلال  ، بحضوره على الخطوط الامامية بين الجنود ، وفي غرفة العمليات قبل ان تبدأ المعركة بوقت قصير جدا ، ليوقع نشامي قواتنا المسلحة الباسلة بالجيش الاسرائيلي هزيمة نكراء ، لعب فيها العمل الاستخباراتي الاردني ، الذي نجح في متابعة التحركات والحشود الاسرائيلية ، الدور الاكبر في تحديد ساعة الصفر ، وقبل شهر من وقت وتاريخ تحديدها من قبل العدو ، ممهدا بذلك لهذا النصر الاسطوري ، الذي حطم مقولة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر ، وشكل اول انتصار تحققه دولة عربية على الجيش الاسرائيلي ، الذي لم يتمكن بعد هذه الهزيمة ايضا من تحقيق اي انتصار في العمليات العسكرية التي خاضها على الجبهات العربية المختلفة ، حتى انه لم يفكر باللجوء الى اتباع اسلوب المعارك البرية بعد ان بات جنوده ودباباته صيدا سهلا على وقع القصف الشرس وكثافة النيران الاردنية ، مما اضطره الى ترك جثث جنوده ومعداته وآلياته المدمرة في ساحة المعركة دون ان يتمكن من سحبها ، حتى انه اجبر ولأول مرة في تاريخه الى طلب وقف اطلاق النار اكثر من مرة ، وهو ما رفضه المغفور له الملك الحسين ، ما دام هناك جندي اسرائيلي واحد على الارض الاردنية . دون ان نغفل دور عوامل اخرى قادت الى تحقيق هذا النصر الاردني التاريخي ، ممثلة بالتخطيط والتحضير والتنسيق بين الوحدات والاجهزة العسكرية الاردنية ، وبينها وبين بعض عناصر المقاومة الفلسطينية في بعض مواقع القتال . اضافة الى اتباع الجيش الاردني اسلوب القتال في مجموعات صغيرة بلغت العشرات ، كانت موزعة في مختلف جبهات المعركة ، والتي كان لها الفضل الكبير في تكبيد العدو الاسرائيلي الكثير من الخسائر المادية والبشرية ومن مسافات قصيرة جدا ، مكنتها من تحقيق اصابات مباشرة ، اربكت العدو واثخنت جراحه ، بطريقة قادته الى الانسحاب من ارض المعركة وهو يجر اذيال الخيبة ومرارة الهزيمة والفشل في اكثر الفصول ظلامية في تاريخ الجيش الاسرائيلي ، الذي تكبد خسائر جسيمة في الارواح والمعدات ، مما دفع قياداته العسكرية الى الاعتراف بالهزيمة ، وبحرفية الجيش الاردني وكفاءته ومعنوياته العالية التي منحته ميزة التفوق على الجيش الاسرائيلي .

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023