بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
يبدو ان الحضارة الغربية في هذه الايام
باتت امام لحظة الحقيقة ، بعد ان اصبح من المتعذر عليها التخفي او التستر لمدة
أطول او أكثر خلف شعارات وطروحات ، طالما طرحتها ووفرت لها المساحات
والفضاءات الكافية للولوج من خلالها في مشروعها ( القيمي ) الى ابعد نقطة ممكنة ،
متجاوزة من اجله المسافات والحدود الجغرافية ، بحجة انها تحمل رسالة انسانية تبرر
لها الذهاب بعيدا ، وربما اتباع اي وسيلة حتى وان بدت غير شرعية طالما انها تسعى
الى ترويج سلعتها القيمية ، التي ثبت زيفها وبطلانها على وقع السقوط المدوي
لمنظومتها القيمية والاخلاقية ، وبانها مجرد اداة مصلحية تجيز لها استهداف دول
وشعوب بعينها تقع في اطار هذا المشروع المنوي ترويجه ، وبما يخدم اجنداتها
ومصالحها الخاصة ، حتى اذا ما تمكنت من تحقيق ذلك ، كشرت عن انيابها واخذت تعيث
الفوضى والخراب على كامل المساحة المستهدفة ، ممثلة بمنطقتنا الجغرافية ذات
الملامح العربية والاسلامية ، مستخدمة شتى انواع الاسلحة الدعائية العدائية في
شيطنتها ونشر بذور الفتنة والنعرات الطائفية والمذهبية والدينية والعرقية
والاقليمية فيها ، لتبقى تعاني من الانقسامات والنزاعات والخلافات . حتى اذا ما
انجزت مهمتها الخارجية ، عادت الى الداخل .. الى اوطانها ، لتطهرها ممن لجأوا
اليها من الخارج تأثرا وتعلقا بمشروعها القيمي ، ليجدوا انفسهم امام الحقيقة
المرة ، ممثلة بتصاعد وتيرة التيارات اليمينية المتطرفة في هذه البلدان الغربية ،
لدرجة انها اخذت تنافس وبقوة في الانتخابات التشريعية والرئاسية محققة نتائج لافتة
، عززت من حضورها في المشهد السياسي هناك ، اما من خلال الانتقال الى مراحل المنافسة
النهائية في الانتخابات الرئاسية ، وان كانت لم تحسمها ، واما من خلال زيادة حصتها
من المقاعد البرلمانية في رسالة واضحة ومهمة الى قدرتها الى الذهاب الى ابعد من
ذلك مستقبلا ، وربما في المستقبل القريب ، بحيث تصبح في دائرة صنع القرار ، وتصبح
قريبة جدا من تحقيق برامجها واجنداتها العنصرية الشعبوية ، ذات النزعة القومية
المتطرفة ، المستندة الى خطاب الكراهية تجاه الاجانب واللاجئين والمهاجرين
والاقليات وفي مقدمة ذلك الاقلية المسلمة ..في إشارة الى ان صعود اليمين المتطرف ،
وتأييد خطابه العنصري يمثل تغيرا في المزاج العام الغربي ، ويعبر ايضا عن مخاض
سياسي جديد في المجتمعات الغربية قد يقود الى احداث تغيرات في الخارطة السياسية
لهذه المجتمعات ، بطريقة قد تؤثر في مستقبل الأنظمة السياسية والمنظومة القيمية
الديمقراطية فيها في ظل الزيادة اللافتة في شعبية هذه الأحزاب المتطرفة ، كحزب
الجبهة الوطنية في فرنسا ، وحزب البديل في المانيا ، وحزب الحرية في
النمسا ( خسر رئيسه نوربرت هوفر الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرا بفارق 16الف
صوت حيث حصل على 49.7% ، وحصل الحزب على 40 مقعدا من اصل 183 مقعدا في المجلس
الوطني ) ، وحزب الفجر الذهبي في اليونان ( حل ثالثا في الانتخابات التشريعية )
وحزب الشعب في سويسرا ( حصل على حوالي 30% من الأصوات في الانتخابات التشريعية ) ،
وحزب الحرية في هولندا ( زعيمه خيرت فيلدرز المعادي للاسلام ) وحزب الاستقلال في
بريطانيا . ما يؤشر الى انتشار خطاب الكراهية والعنصرية والتطرف في المجتمعات
الغربية بصورة قد تشعل الصراعات الحضارية والدينية في الساحة العالمية . في تأكيد
على وجود ارضية شعبية تدعم التوجهات العنصرية والمتطرفة . وما قام به الارهابي
المجرم والمتعصب اليميني القومي المتطرف المتشبع بالاسلاموفوبيا ، برينتون تارانت
منفذ مجزرة نيوزيلندا في مسجدي مدينة كرايست تشيرتش ، الا نتاج لهذه العقلية
العنصرية في ظل ازدياد جرائم الكراهية في المجتمعات الغربية بنسب كبيرة ولافتة في
الاونة الاخيرة ، وبدوافع دينية تحمل طابعا اسلاموفوبيا ( جرائم الكراهية
الاسلاموفوبية ) بعد انتشار الخطاب المعادي للاسلام ، والتي ترتكب باسم تفوق العرق
الابيض ، انتصارا للنزعة القومية البيضاء ، بحجة حماية الحضارة الغربية والعرق
الابيض من الغزاة الاجانب ، بطريقة قادت الى اثارة تساؤلات عالمية مقلقة عن
مدى تحول النزعات اليمينية الشعبوية والقومية المتطرفة في الغرب الاوروبي
والأمريكي الى ادوات ايديولوجية ، تتكاثر وتنتشر باضطراد ، لتنقض على الاخر وتقتله
لمجرد اختلاف لونه او عرقه او دينه ، ما يمثل تهديدا للعالم ، نتيجة بث معتقدات
عنصرية ومتطرفة متعلقة بتفوق العرق الابيض . حتى ان هناك من يتهم قادة في
العالم الغربي في الوقوف خلف مخاطر القومية البيضاء وتغذيتها . لا بل ان من يسمون
بالقوميين او المتطرفين او العنصريين البيض او الجدد من انصار تفوق العرق الابيض ،
قد اشادوا بالارهابي المجرم تارانت مرتكب مجزرة المسجدين في نيوزيلندا ، وعبروا عن
فرحتهم وسعادتهم بهذه المجزرة ، واصفين مرتكبها الارهابي بالبطل . في اشارة الى
تنامي هذه الظاهرة اليمينية المتطرفة بشكل قاد الى الحديث عن عنصرية مؤسسية في
الغرب .