بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
يتوقف الكثير من المتابعين والمهتمين
عند الرسائل والدلالات المستخلصة من وراء الدوافع والاسباب التي قادت دولة كبرى
ومن فواعل النظام الدولي كبريطانيا الى التفكير بعقد ظاهرة عالمية خاصة بالاردن
على ارضها وفي عاصمتها من اجل دعم اقتصاده واستثماره ، لولا انها وجدت انه اهلا
لذلك ، ويستحق ان يجتمع العالم كله ، بدوله وهيئاته ورموزه المختلفة من اجله ، ليعبر
له عن ادراكه لاهميته وقيمته في الساحة الدولية ، واعتزازه وتقديره للدور القيمي
والاخلاقي الذي يضطلع به اقليميا ودوليا ، كصوت للحكمة والعقل وكرمز للمبادئ
والقيم التي يحتاجها العالم في هذه الايام التي افتقد فيها جزءا كبيرا منها عندما
تاهت بوصلته في زحمة الازمات والصراعات التي تعصف به . لقد جاءت هذه الفعالية التي
تعقد خصيصا للاردن في واحدة من اهم عواصم دول العالم ، لتؤكد على المكانة
الرفيعة التي يحظى بها الاردن ، وبانه محط اهتمام المجتمع الدولي وتقديره وبمشاركة
دولية واسعة ، وذلك تتويجا للسمعة الطيبة التي يتحلى بها ، والتي امكن
ترجمتها الى هذا الحشد الدولي الفاعل والمؤثر ، الهادف الى تمكينه ومساعدته
في تجاوز الازمات والتحديات التي فرضت عليه ، والخارجة عن ارادته ، بصورة
عززت من حضور الجانب المشرق والانساني في المنظومة الدولية التي عانت في السنوات
الاخيرة من الكثير من المشاهد المظلمة والمأساوية التي اخذت تهدد أهم القواعد
والاسس التي قامت عليها من امن وسلام واستقرار . وكأني بممثلي ٦٠ دولة من الدول
السبع الصناعية الكبرى ، والدول المانحة والصديقة والهيئات الدولية الرائدة في
مجال المال والتمويل ، جاءت لتقف على هذه المنصة البريطانية ، لتحيي الاردن
وتكافئه على مواقفه وسياساته ، التي ابقت على بصيص الامل الذي يمكن من خلاله الدفع
بها الى التفكير باعادة حساباتها واولوياتها واجنداتها ، بما يعزز من الايجابيات
وصور التضامن والتعاون الكفيلة ، بانقاذ العالم من التداعيات السلبية المترتبة على
التوترات والصراعات التي يشهدها من فترة الى اخرى ، بطريقة جعلته عرضة لوقوع
العديد من المخاطر والتهديدات أكثر من اي وقت مضى . الى جانب حرصها على امن
واستقرار الاردن تحديدا ، الذي قدم الكثير من التضحيات والادوار والمواقف
الانسانية نيابة عن المجتمع الدولي في العديد من الملفات والازمات الاقليمية ، رغم
محدودية امكاناته وموارده ، والظروف والاوضاع المالية والاقتصادية
والاجتماعية الصعبة التي يعاني منها . مما يعكس الاهتمام الدولي بالاردن والوقوف
الى جانبه وعدم تركه وحيدا يصارع التحديات والظروف المختلفة التي فرضت نفسها عليه
، ممثلة بالازمة المالية العالمية ، وانقطاع إمدادات الطاقة ، وتداعيات ملف
اللاجئين السوريين ، الذي شكل ضغطا على موازنته وبنيته التحتية وقطاعاته الخدمية
والتنموية وموارده المحدودة . وكذلك اغلاق حدوده مع سوريا والعراق وانعكاس ذلك سلبيا
على تجارته وصادراته الى الاسواق الخارجية ، وغير ذلك من التحديات الاقليمية
والدولية . اضافة الى ما يمكن اعتباره ترجمة ونجاحا للدور الذي طالما لعبته
الدبلوماسية الاردنية التي يقودها جلالة الملك في تسويق الاردن وترويجه
اقتصاديا واستثماريا وعرضه للفرص الاستثمارية والحوافز والمزايا والقدرات
التشغيلية التنافسية التي تميز البيئة الاقتصادية الاردنية ، بهدف استقطاب
الاستثمارات الخارجية وتوطينها واقامة الشراكات التنموية والاقتصادية مع كبرى
الشركات والاقتصادات العالمية، وجعل الاردن مركزا اقليميا للعديد من النشاطات الصناعية
والتقنية والفنية والتدريبية، بحيث يصبح بوابة للاعمال والتجارة الاقليمية
والدولية .
لقد وجد الاردن نفسه امام فرصة
دولية تاريخية ، تتماهى ورؤيته الوطنية الاقتصادية والاستثمارية المستقبلية ،
وتوفر له الظروف الدولية الملائمة لإعادة الزخم لمسيرته التنموية من خلال توظيف
هذا المنبر الدولي في عرض الاصلاحات الاقتصادية التي انجزها ، وتحسين الاوضاع
والمؤشرات والاجندات الاقتصادية عبر تقديمه مشاريع تنموية منتجة وقابلة للتنفيذ
تبرر دعمها وتمويلها ، وعرض ما يملك من امكانات وقدرات وبيئة مفتوحة ومحفزة
للاعمال امام الفعاليات التجارية والمالية ، كوجهة جاذبة للاستثمارات واستقطاب
المشاريع والفرص الاستثمارية ، مستندا في ذلك الى مصفوفة الاصلاحات الاقتصادية
التي اعدها للسنوات الخمس القادمة ، بصورة من شأنها تحفيز النمو الاقتصادي ، وخلق
فرص عمل ، وفقا لوثيقة الاردن ٢٠٢٥ وخطة تحفيز النمو الاقتصادي ، التي يعول
عليها ( المصفوفة ) في حشد الدعم والحصول على برنامج تمويلي دولي .مما وضعه ايضا
امام تحدي ترتيب اولوياته ، وتقديم مشاريع تنموية حيوية ومقنعة في مجالات الطاقة
المتجددة والبنية التحتية والقطاعات التي تعتمد على الموارد البشرية المؤهلة
كالخدمات المهنية واللوجستية وتكنولوجيا المعلومات ، وفتح افاق واسعة من التعاون
والشراكة مع الدول والهيئات والاقتصادات الدولية ، وبما يعود بالنفع والفائدة على
الاقتصاد الوطني ، خاصة بعد النتائج الايجابية التي حققها الاردن في هذا
المؤتمر ، والتي توجت بحزمة مساعدات من الحكومة البريطانية ( مليار دولار
) والوكالة الفرنسية للانماء ( مليار يورو ) وبنك الاستثمار الاوروبي
( مليار يورو ) واليابان ( ٤٠٠ مليون دولا ) على شكل منح وقروض ميسرة وضمانات قروض
لدى البنك الدولي ، للمضي في الاصلاحات الاقتصادية وتحفيز النمو المنشود والتعاون
في مجالات تنمية الموارد البشرية والتعليم والمعلومات التقنية وتمويل الموازنة
والمشروعات التنموية والبنية التحتية ، اضافة الى الاعلان عن تعهدات بتوقيع
اتفاقيات اخرى في المستقبل . الامر الذي يضع الجهات المعنية في بلدنا امام
مسؤولياتها في استغلال هذه النتائج والاجواء الايجابية وتوظيفها في خدمة الاقتصاد
الوطني ، وان تضع نصب عينها عدم تكرار السلبيات التي رافقت مؤتمر المانحين السابق
الذي عقد في لندن ايضا عام ٢٠١٦ ، والذي لم يحقق النتائج المرجوة ، رغم اتفاق
تبسيط قواعد المنشأ بين الاردن والاتحاد الاوروبي ، لزيادة الصادرات الاردنية الى
الاسواق الاوروبية .