بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
في ظل التعقيدات والاشكاليات التي
تعاني منها الكثير من القضايا والملفات الوطنية ، بصورة قادت الى اتساع فجوة فقدان
ثقة المواطن بمؤسسات الدولة ، برز في الأونة الاخيرة ما يشبه التوافق العام
والحاجة المجتمعية الى ضرورة تطبيق الاوراق النقاشية الملكية ، وترجمتها الى
سياسات وإجراءات على ارض الواقع ، بعد ان اتسع الحديث عنها ، واستحوذ على اهتمامات
واولويات الشارع الاردني ، واحتل صدارة عناوين النقاشات والاحاديث السياسية
والاقتصادية والاجتماعية التي اخذت تشهدها الساحة الاردنية ، بوصفها
خارطة طريق وبوصلة وطنية تحمل بوادر الحل والامل بانقاذ الوضع العام ، والولوج به
الى افاق ارحب واوسع ، كفيلة بمواجهة الظروف والتحديات التي يعاني منها المشهد
الوطني ، ومن بوابة المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار تحديدا ، التي
يعول عليها في تحقيق الغاية من هذه الاوراق خاصة في بعدها السياسي ، ممثلة بالوصول
الى مرحلة الحكومات البرلمانية ، التي تجسد الانتقال بالحالة السياسية الاردنية
الى مرحلة متقدمة اساسها العمل المؤسسي التشاركي البرامجي ، كما يعكسه التمثيل
الحزبي والجمعي والكتلوي تحت قبة البرلمان ، بحيث يكون الاكثر تعبيرا عن مصالح
المواطن وتطلعاته ، والاكثر تلامسا لقضاياه وهمومه واحتياجاته . مما يجسد
المسؤولية المجتمعية المشتركة في ادارة الشأن العام . وهو ما كان يؤكد عليه جلالة
الملك في لقاءاته المتعددة مع القوى السياسية والبرلمانية ، مطالبا اياها القيام
بدورها في توضيح وتحديد الخطط والاولويات والاهداف المستقبلية في المجالات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية من اجل مواجهة التحديات التي تواجه المجتمع .
عزز من ذلك تأكيد جلالته خلال لقائه برؤساء الوزراء السابقين اول امس الاثنين ،
بان الاصلاح السياسي ليس شعارا ، وان هناك ارادة حقيقة لتطوير الحياة السياسية في
المملكة كما جاء في الاوراق التقاشية . في رسالة ملكية صارمة تنطوي على جدية
واصرار واهتمام ملكي بالمضي قدما بهذا المشروع الاصلاحي الاردني ، وان لا تهاون
ولا تراجع عنه حتى يحقق غاياته . اضافة الى ما انطوت عليه هذه الرسالة من رد
ملكي حاسم في ظل التعاطي الرسمي السلبي وغير المسؤول مع هذه الاوراق النقاشية ،
ممثلا بتقصير وعدم تعامل الوزارات والمؤسسات ومختلف الفعاليات المجتمعية في
المملكة معها كما يجب ، وعدم أخذها بعين الاهتمام ، حيث لم تطبقها على ارض الواقع
من خلال العمل وليس القول فقط ، وذلك عندما اراد جلالته اشراك هذه الجهات في انضاج
رؤيته الاستشرافية المستقبلية هذه ، تأكيدا على النهج الاصلاحي ، وتعزيز بناء
الدولة الاردنية على اسس وقواعد مؤسسية متينة ومدروسة ، يمكن الاعتماد عليها في
مواجهة التحديات بكل ثقة واقتدار ، بعيدا عن اسلوب الفزعة . مما يتطلب من
الفعاليات الرسمية والشعبية المختلفة تحمل مسؤولياتها والارتقاء بدورها وتفكيرها
الى مستوى الرؤى والتوجيهات الملكية ، بعيدا عن الخطب والتصريحات النظرية
والانشائية ، وان تبدأ بوضع الادوات والاليات الكفيلة بتحويل هذه الرؤى الى واقع
معاش لضمان السير بها في الاتجاه الصحيح . ولتكن البداية من خلال اعادة
النظر بالقوانين والتشريعات الناظمة للعمل السياسي والاصلاحي ممثلة بقوانين
الاحزاب والانتخاب واللامركزية ، التي يعول عليها في تحقيق مشروح الاصلاح الوطني ،
عبر عقد الورش والندوات المختلفة وبمشاركة شخصيات وطنية ممثلة عن كافة قطاعات
المجتمع الاردني السياسية والحزبية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية ومؤسسات
المجتمع المدني ، والدخول في حوارات ونقاشات هادفة حيال هذه القواتين ، وان تقدم
افكارها وتوصياتها ومقترحاتها التي من شأنها اثراء هذه المنظومة التشريعية
الاصلاحية بالافكار والطروحات الناضجة والقيمة ، بطريقة نضمن من خلالها استعادة
ثقة المواطن بمؤسسات الدولة ، وهو يرى صوته في صناديق الاقتراع وقد ترجم الى تمثيل
حقيقي في المجالس والمؤسسات المنتخبة ، خاصة البرلمان الذي يعتبر الركن الاساسي في
النظام السياسي الاردني ، الذي يعبر عن مصالح المواطن وتطلعاته . دون ان نغفل
ضرورة التوقف على اهم الملاحظات التي تم وما زال يتم تسجيلها على تجربة اللامركزية
، باعتبارها تجربة جديدة تقتضي الحرص على تطويرها وتفعيل دورها في تحقيق التنمية
المحلية الشاملة ، والحد من الفروقات التنموية والخدمية بين المجتمعات المحلية ،
واشراك المواطن في القرار التنموي والإسراع في إقرار المشاريع والخطط اللازمة ،
وفقا للأولويات التي يحددها هذا المواطن ، تعبيرا عن ترسيخ الثقافة الديمقراطية ،
التي تجسد مسار التنمية السياسية وتعزيز المشاركة التي تعكس جوهر الممارسة
الديمقراطية ، لأنها أصلا تسعى الى تعزيز دور المواطنين ومشاركتهم الفاعلة،
لضمان مساهمتهم في العملية السياسية والتنموية في اطار هذا النظام السياسي .