بقلم: د. مصطفى البرغوثي*
رغم كثرة ما قيل في وصف مخاطر ومساويء
الإنقسام الداخلي الفلسطيني، لعل من
المفيد التذكير ببعض الحقائق التي تقف جلية أمام عيوننا، ومع ذلك يجري تجاهلها في
خضم المناوشات والصراعات الداخلية.
الحقيقة الأولى، أن هناك إختلالا خطيرا
في ميزان القوى بيننا وبين الحركة الصهيونية وحكام إسرائيل، يستغلونه لتنفيذ
مخططاتهم على أرض الواقع بوقاحة، وشراسة غير مسبوقة، مستفيدين من عوامل محلية
وإقليمية ودولية.
وما من مدخل لتفعيل عناصر القوة
الفلسطينية في مواجهة هذا الإختلال، سوى إنهاء الإنقسام وتوحيد الصف الوطني.
الحقيقة الثانية، أن الشعب الفلسطيني
لم يمر منذ نكبة عام 1948 بظرف أخطر مما يمر به اليوم وعنوانه محاولة تصفية عناصر
القضية الفلسطينية من القدس إلى حقوق اللاجئين، إلى حقنا في تقرير المصير وإقامة
دولة حرة مستقلة ذات سيادة.
الحقيقة الثالثة، أن الفشل الرئيسي
للحركة الصهيونية ، والنجاح الأهم للشعب الفلسطيني وهو صموده على أرض وطنه، مهدد
اليوم بسبب الإنفصال القائم بين غزة والضفة، والعزل القسري لمدينة القدس .
الحقيقة الرابعة ، أن الإحتلال
والتطهير العرقي الذي مورس سابقا في عام 1948 ، قد تحول بشكل كامل ألى منظومة
أبرتهايد عنصرية كولونيالية إحلالية تشمل كل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل
والأراضي المحتلة والخارج، وهي منظومة لا يمكن مواجهتها وإسقاطها إلا بإعادة توحيد
مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة.
الحقيقة الخامسة، أن حق الشعب
الفلسطيني في تمثيل نفسه والذي إنتزعه عبر تضحيات باهظة منذ إنطلاقة الثورة
الفلسطينية المعاصرة ، مرورا بالإنتفاضة الشعبية الباسلة، والذي يتجسد في الإعتراف
العربي والعالمي بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للفلسطينيين، مهدد اليوم بسبب
الإنقسام، وبسبب المؤمرات الخارجية وعلى رأسها ما يسمى بصفقة القرن، التي تسعى
لإستغلال الإنقسام لسلب الفلسطينين حق تمثيل قضيتهم وأنفسهم.
الحقيقة السادسة، أن اي عملية
ديموقراطية ، بما قيها الإنتخابات الديموقراطية الشاملة التي حان أوانها منذ زمن
بعيد، لن تكتمل وتحقق أهدافها وشرعيتها الكاملة دون مشاركة جميع القوى الفلسطينية،
ودون ضمان إجراءها في الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة وحيثما أمكن في الخارج.
الحقيقة السابعة، أن أصدقاء وأنصار
شعبنا على الصعيد الدولي يشعرون بقلق لا مثيل له، وبإرتباك محرج ، بسبب تفاقم حالة
الإنقسام الداخلي، ويكررون بألم عميق وإستياء غير مسبوق، أنهم عاجزون عن فهم
إستمرار حالة الإنقسام أو في تبرير فشل الفلسطينيين في توحيد أنفسهم، حتى الآن،
في ظل كل المخاطر التي ذكرناها سابقا.
وهذا ما يجب فهمه بدقة في تفسير
المبادرة الروسية بدعوة القوى الفلسطينية إلى موسكو للبحث في إنهاء الإنقسام
وتحقيق الوحدة، وهي مبادرة يجب الإستفادة منها لإجتياز إمتحان الخروج من نفق
الإنقسام، مع ادراك أن فشلا جديدا في انحاز الوحدةخلال ذلك الإجتماع ستكون له
نتائج وخيمة و خطيرة..
الحقيقة الثامنة، أن الوحدة لن تتحقق
إلا بقبول مبدأي المشاركة وحق الشعب في الممارسة الديموقراطية، ولن تتجسد إلا
بتغليب المصالح الوطنية على المصالح الفصائلية، الحزبية، والذاتية، والفردية.
لن يقودنا الإنقسام إلا إلى الهاوية ،
ولن ينقذنا منها إلا الإيمان المخلص بالوحدة الوطنية في مواجهة أعداء قضيتنا.
*الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية
الفلسطينية