بقلم: د. مصطفى البرغوثي*
منذ وقع احتلال الضفة الغربية، بما
فيها القدس، وقطاع غزة قبل احدى وخمسين عاما، والإحتلال يسعى إلى استخدام كل
أدواته لتجزئة هذه المناطق وشرذمتها.
استخدم أولا سلاح الإستيطان، وما بدأ
ببضعة مستوطنات أنشأها حزب العمل حول القدس، وفي الأغوار وعلى حدود الخط الأخضر،
تحول إلى هجوم جارف بعد توقيع معاهدتي كامب ديفيد وإتفاق أوسلو، فتجاوز عددها
اليوم مائتين وستين مستعمرة وبؤرة استيطانية جديدة.
واستخدم الحواجز العسكرية الثابتة
والمتحركة والتي لا يقل عددها عن ستمائة وأربعين حاجزا.
واستخدم جدار الأبرتهايد العنصري
لتقطيع أوصال الضفة الغربية، وتحطيم ما بُني من منظومات صحية وتعليمية وتنموية
فيها.
واستخدم شوارع الفصل العنصري المحرمة
على الفلسطينيين والتي تخترق الضفة الغربية طولا وعرضا، وأخرها شارع الأبرتهايد في
القدس لتحطيم التواصل الجغرافي، واخترع مسميات كالمناطق العسكرية المغلقة، وأراضى
الدولة المحرمة أيضا على الفلسطينيين، لحصر المساحة الجغرافية التي يتحرك فيها
الفلسطينيون.
وإستخدم كارثة تقسيم الضفة إلى مناطق
(أ) و(ب) و(جيم) ليمعن في تقطيع الأوصال وليكرس 62% من مساحة الضفة للمستعمرين
المستوطنين .
وقبل ذلك، وفي بداية التسعينات فصل
القدس بالكامل عن الضفة والقطاع، وصعد تدريجيا هذا الفصل حتى عُزلت القدس بالكامل
.
وأتبع ذلك، بعد توقيع إتفاق أوسلو،
بقطع التواصل بين قطاع غزة والضفة الغربية.
الهدف كان، وما زال، فصل غزة عن الضفة
بالكامل، وتجزئة الضفة إلى 224 جزيرة محاصرة بالمستعمرات والحواجز والجدار
والقوانين الجائرة.
والهدف الأكبر كان تحويل الأراضي
المحتلة من أرض فلسطينية فيها أجسام غريبة هي المستعمرات الإسرائيلية، إلى محيط
إسرائيلي فيه تجمعات فلسطينية على شكل جزر محاصرة، مجزأة، ومعزولة.
وكل ذلك لمنع قيام دولة فلسطينية
متواصلة جغرافيا، وسكانيا، وتكريس منظومة أبرتهايد عنصرية تضع الفلسطينيين في ظروف
اقتصادية واجتماعية معقدة وصعبة، على أمل أن يدفع ذلك الكثير منهم للرحيل.
وللأسف لا يلاحظ بعض السياسيين ، كيف
ينعكس ما فرضه الاحتلال من وقائع جديدة بالقوة العسكرية على السلوك الإنساني
للفلسطينيين.
لم يعد أحد يتذكر كيف كنا نصل
بسياراتنا من أي مدينة في الضفة إلى قطاع غزة خلال ما لا يزيد عن ساعة ونصف.
ولم يعد أحد يتذكر كيف كانت المسافة من
رام الله لبيت لحم لا تستغرق أكثر من عشرين دقيقة، ولا كيف كان الوصول للقدس يتم
خلال أربع عشرة دقيقة.
هل يتذكر أحد اليوم كيف كان طلاب غزة
يدرسون في كل جامعات ومعاهد الضفة ؟
وغالبية الأجيال الشابة في الضفة لم
تزريوما قطاع غزة والعكس صحيح، بل يندر أن تجد تواصلا عاديا بين محافظات الضفة
الغربية، ناهيك عن زيارة أبناء شعبنا في الداخل.
لا يختلف إثنان عاقلان على أن فصل
الضفة عن القطاع هو الهدف الأهم لسياسة الإحتلال، ومع ذلك فإن الإنقسام يتدحرج
بتسارع مخيف ليتحول إلى إنفصال خطير ومريع.
كتبت قبل عام، "أنه ما من أمر
يقلق الإنسان الفلسطيني ، وكل من يدعم صادقا نضالنا، مثل قضية الإنقسام الداخلي،
وتتابع مظاهر الشرذمة والانقسامات .
وما من أمر يحرج الفلسطيني أمام
الآخرين من مشاهدة قيادات من أبناء شعبه يتقاذفون التهم، وينشغلون بالصراعات مع
بعضهم، والمحتلون يتفرجون عليهم ويتشفون بنا وبشعبنا ."
وإذا كنا نتفق على أن السياسة
الإسرائيلية هي التي مهدت، وغذت، وشجعت بأفعالها القسرية عملية الفصل، وحاربت بكل
شراسة كل جهد للوحدة، بما في ذلك إسقاط حكومة الوحدة الوطنية الوحيدة في تاريخنا،
فلا يمكن إلا أن نتفق على أن إنهاء الانقسام ودرء الإنفصال هو أهم شكل لمقاومة
الإحتلال اليوم.
طوال الأيام الماضية تعمد الإحتلال أن
يعمق إقتحاماته للمسجد الأقصى، وأن يشدد الحصار على قطاع غزة، وأن يقتحم يوميا
مدينتي رام الله والبيرة، سعيا لفرض أمر واقع جديد بجعل وجود جيش الإحتلال في
شوارع المدن أمرا عاديا.
وطوال الأيام الماضية تعمد الإحتلال
إغلاق شوارع ومنافذ قرى ومدن عديدة ليذيق أهلها المعاناة المرة أثناء تنقلهم.
كُلنا مستهدفون، وكُلنا مهددون، ولن نكسر
الشرذمة، ونصد التهديد، إلا بالوحدة .
والناس تتعطش للأمل والإنجاز
والانتصارات، ليس على بعضنا، بل على العدو الجاثم فوق صدورنا جميعا.
*الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية
الفلسطينية