بقلم: د هايل ودعان الدعجة
لا شك بان رصيد الاردن الخارجي، ممثلا
بشبكة علاقاته الدولية والاقليمية الواسعة والقوية، يمثل راس ماله الوطني ويعتبر
من اهم مخرجات سياسته ودبلوماسيته النشطة التي يقودها جلالة الملك، بصورة اكسبته
مكانة رفيعة ومرموقة وسمعة طيبة، عززت من حضوره ووضعه على الخارطة الدولية، مما
مكنه من مواجهة العديد من التحديات والظروف الصعبة التي فرضت نفسها على المشهد
الوطني، وتعويضه عن اخفاق السياسات الحكومية في العديد من المجالات خاصة الاقتصادية،
التي تمثل ابرز التحديات التي تواجه المملكة . وقد اتخذ هذا التعويض شكل المنح
والمساعدات المالية والاقتصادية الخارجية، اضافة الى الاستثمارات التي نجحت
الدبلوماسية الاردنية في جذبها من خلال ترويج الاردن وتسويقه استثماريا واقتصاديا
وتنمويا في ظل ما يمتلكه من بيئة امنية وتعليمية وتقنية ومهارية شبابية مشجعة
ومحفزة . الامر الذي يأخذه الاردن في اعتباره في سياساته وعلاقاته الخارجية خاصة
العربية منها، والتي يقتضي التعامل معها الكثير من الحرص والحذر على وقع الخلافات
والتوترات والاجواء المشحونة بين العديد من اطرافها . ويسجل للاردن نجاحه في
التعاطي مع هذه الاشكالية بحكمة واتزان ليبقي على علاقاته الجيدة والمميزة مع جميع
الدول الشقيقة في ظل الحساسية المفرطة التي تميز العلاقات بين هذه الدول . مما
اقتضى من الاردن التعاطي الحذر والدبلوماسي مع هذه المنظومة العربية الحساسة في
كثير من المواقف والمناسبات .
ولما كانت الساحة الدولية والاقليمية
تعاني من الكثير من الازمات والاحداث الصادمة والمقلقة، بشكل يتطلب من الكثير من
دول العالم اتخاذ مواقف معينة منها، فان مثل هذا الجو العام المشحون بالخلافات
والتوترات قد يحرج الاردن الرسمي، ويدفع به نحو التفكير باتخاذ خطوة ما في
اتجاه معين ترجمة لموقفه من الاحداث الجارية، دون ان يلحق اي ضرر في مصالحه او ان
يفسر ذلك على انه يحابي او يجامل طرفا على حساب طرف أخر، خاصة انه ينطلق في
علاقاته الخارجية من جملة من الاعتبارات والحسابات والاولويات التي تتوافق ومصالحه
الوطنية، التي لا يريد التفريط او المجازفة بها تحت اي ظرف، حتى لا يخسر او ينعكس
ذلك عليه سلبيا . مما يجعل من البوابة الشعبية ممثلة بالدبلوماسية البرلمانية احد
اهم الادوات والبدائل والخيارات الديمقراطية التي على الاردن الرهان عليها واللجؤ
لها للخروج من هذا الحرج وهذا المأزق في ظل تمتع هذه الدبلوماسية الشعبية لهامش
حرية وحركة اوسع وخيارات اكثر من الدبلوماسية الرسمية المقيدة والمرهونة باعتبارات
وحسابات خاصة وحساسة، قد يترتب على عدم مراعاتها تعريض الاردن لضغوطات واشكاليات
وتداعيات سلبية هو في غنى عنها . الامر الذي لا تعاني منه الدبلوماسية البرلمانية،
التي تستطيع التعبير عن رأيها وموقفها من الاحداث والتطورات المختلفة بهامش حرية
اوسع واكبر، طالما انها سيدة نفسها وتحتكم الى المواطن كمرجعية وتمثل الارادة
الشعبية، وتعبر عن نبض الشارع ومصالحه وتطلعاته وارائه . حتى اذا ما ابدت دولة او
جهة خارجية ما امتعاضها وانزعاجها من موقف الدبلوماسية الشعبية، كان الرد الرسمي
انها مخرجات الديمقراطية التي لا نتدخل او نتحكم بها، ولا نملك الا ان نحترمها
وننصاع لها، مما يمكن اعتباره مخرجا او متنفسا للجهات الرسمية من الاحراج . ففي
الوقت الذي قامت فيه الحكومة بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع قطر على سبيل
المثال، اثر الخلاف بين السعودية والامارات ومصر والبحرين من جهة وقطر من جهة
اخرى، طالب عدد من النواب بعودة السفير القطري . والحال ينطبق على زيارة الوفد
النيابي الى سورية في ظل ما اعترى العلاقة الاردنية السورية من بعض الشوائب وسوء
الفهم على خلفية ملف الازمة السورية . اضافة الى قدرة الدبلوماسية البرلمانية على
توجيه اشارات ورسائل تنطوي على مواقف شعبية رافضة ومعارضة للاملاءات والضغوطات
الخارجية التي تمارسها بعض المنظمات والمؤسسات والدول في المنظومة الدولية على
الحكومات الاردنية لجهة تبني سياسات وقرارات وتوجهات غير شعبوية، لتحصيل ديونها او
فرض شروطها لتقديم القروض والمنح والمساعدات المختلفة الى الاردن، بحيث تضع هذه
الجهات الدولية بصورة الاوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية الصعبة
التي يعيشها المواطن، الذي لم يعد قادرا على تحمل المزيد من الاعباء والتكاليف
المعيشية . دون ان نغفل اهمية دور هذه الدبلوماسية البرلمانية في توظيف حضورها
ومشاركتها في البرلمانات العربية والاقليمية والدولية ولجانها المختلفة في دعم
مواقف الاردن الرسمية والشعبية من القضايا والاحداث المختلفة التي تشهدها الساحتين
الاقليمية والدولية، وتخفيف الضغوطات
والاحراجات التي يتعرض لها نتيجة هذه المواقف التي يراعي فيها مصالحه الوطنية .
الى جانب الايجابية الاخرى التي تتميز بها هذه الدبلوماسية
البرلمانية ، ممثلة بتنوع التمثيل النيابي الفردي والجماعي ( الحزبي والكتلوي
) تحت القبة، والذي يمثل تيارات وتوجهات فكرية وسياسية مختلفة، منها الاسلامي
واليساري والقومي والوسطي والليبرالي وغيرها، بما يضمن تشكيل وفود نيابية متنوعة
ومختلفة كفيلة بتغطية شبكة علاقات الاردن الخارجية خاصة علاقاته مع الدول
العربية، بحيث لا تبقى هناك دولة خارج
اطار هذه التغطية البرلمانية في ظل هذا التنوع الكفيل بجعل الوفد غير المرحب به في
دولة ( عربية ) معينة مثلا، مرحب به في دولة اخرى، وهكذا بحيث تشمل زيارات الوفود
البرلمانية جميع الاقطار العربية (والاقليمية) . مما يعزز من العلاقات
الاردنية الثنائية والقومية، ويضمن الابقاء على قنوات الاتصال والتواصل معها، وبما
يحقق ويخدم مصالح جميع الاطراف . ويسهم في ازالة اي خلاف طارئ او سؤ فهم ظرفي قد
يحصل بين الاشقاء .
اننا اذ احسنا التعاطي مع الدبلوماسية
البرلمانية فهي مخرج الدولة الاردنية من الحرج .. مما يقتضي اعطاء هذه الدبلوماسية
مساحة الحرية التي تستحق، ولنترك لها ان تقول كلمتها وتعبر عن رأيها وموقفها، وان
تقوم بمهمتها في تلطيف الاجواء الخارجية، والخوض في الملفات والقضايا الخارجية
الحساسة والحرجة، لتمهد الطريق امام الجهات الرسمية لتجاوز اي عقبات قد تواجهها في
ظل الظروف والاجواء المشحونة التي تسود دول المنطقة والعالم . ما يتطلب من الجهات
الرسمية ضرورة الارتقاء بتفكيرها الى مستوي متطلبات المرحلإ وتحدياتها، وعدم التفرد بعملية صنع القرار
وتحمل المسؤولية والبقاء في الواجهة عرضة للمساءلة والاستهداف الشعبي والبرلماني،
بسبب تعمدها احيانا تغييب المؤسسة البرلمانية التي تمثل الارادة الشعبية عن
المشاركة في ممارسة دورها، ومحاولة تهميشها وإضعافها، وذلك رغم التأكيد على اهمية
الرهان عليها في استعادة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، وفي تجاوز المواقف والظروف
الحرجة والحساسة التي تواجه الدولة خاصة في السنوات الاخيرة .