بقلم: د.
هايل ودعان الدعجة
يطرح موضوع
التعديل الوزاري الذي بات يخيم على المشهد الحكومي في السنوات الاخيرة ، العديد من
الاسئلة التي باتت تشغل الشارع الاردني على وقع تحوله الى عادة او ربما ظاهرة ،
يلجأ لها رئيس الوزراء بحجة تصويب مسار الاداء الحكومي عبر اخراج عدد من الوزراء ،
وانضمام اخرين ، وذلك بغض النظر عن الفترة الزمنية التي يعتمدها في الحكم على اداء
الوزراء الذين شملهم التعديل ، او الاسس والمعايير التي استند اليها اصلا في
اختيار عناصر الفريق الوزاري عند التشكيل وتقييمهم . خاصة عندما تكون فترة
الحكم على الاداء قصيرة جدا ، وما اذا استفاد عند التعديل من الاجواء التي رافقت
عملية انتقاء الوزراء عند التشكيل اصلا لتلافي تكرار الاسباب التي دفعت به لذلك .
واللافت ان عملية التعديل خاصة عندما تكون خلال الاسابيع او الاشهر الاولى من عمر
الحكومة ، تتم دون محاسبة او مساءلة او التوقف عندها ودراستها واخضاعها لعملية
تقييمية وتحليلية صحيحة للوقوف على الكيفية او المعايير المعتمدة في اختيار
الوزراء ، وما اذا تمت على اساس الاهلية والكفاءة ام وفقا لاعتبارات شخصية ومصلحية
ومنفعية ، تجعل من الحكومات حقل تجارب ، طالما لم نغادر الدائرة الضيقة ( المعتمدة
) في اختيار اعضاء الفريق الوزاري ، والتي جعلت من التعيين في المناصب والمواقع
الوظيفة الهامة مقتصرة على اعضاء هذه الدائرة من الاشخاص الذين استوفوا شروط
العضوية فيها والانتساب اليها والقائمة على الواسطة والمحسوبية .
وامام
هكذا بيئة ضبابية تصبح الفرصة مواتية امام الرئيس للزج باكبر عدد ممكن من الأشخاص
في حكومته ، بطريقة تجعله يرضي كافة الاطراف ( اشخاص او جهات ) ، طالما يملك مساحة
معقولة من الخيارات المستقبلية ، التي تمكنه من استيعاب الاعداد التي يسعى الى
ادخالها في حكومته . وما يعزز من هذا التوجه عدم الحاجة الى طرح الموضوع على مجلس
النواب لغايات الثقة ، حتى لو تكرر لعدة مرات وشمل كافة الوزراء . مثل
هذه الفجوة او الفجوات التي يغلب عليها الطابع الشخصي في ظل غياب الاداء الحكومي
البرامجي والمؤسسي المستند الى العمل الكتلوي الجماعي او الحزبي ، كفيلة بدفع
الامور نحو مزيد من التأزيم والكلف المادية والادائية التي يدفع ثمنها الوطن
والمواطن ، خاصة مع عدم بيان وتوضيح الاسباب والدوافع التي بررت للرئيس شمول بعض
اعضاء فريقه الوزاري بالتعديل .
وامام هذه
المعضلة يصبح من الضروري التعويل على الاصلاح السياسي في احداث التغير المطلوب ،
والانتقال به من تغير في الاشخاص الى تغير في النهج ، بطريقة كفيلة بوضع الاداء
الحكومي على المسار الصحيح ، المستند الى مرجعية ديمقراطية اساسها المشاركة
الشعبية في عملية صنع القرار وادارة شؤون الدولة ، الامر الذي من شأنه تعزيز
الرقابة الشعبية والمؤسسية على الاداء الحكومي . ما يقتضي اعادة النظر بمنظومة
القوانين والتشريعات السياسية والحزبية ممثلة بقانوني الانتخاب والاحزاب ، لضمان
تشكيل مجالس نيابية بطريقة تراعي التمثيل الحزبي ، وتمثيل المواطن تمثيلا حقيقيا ،
وذلك بهدف التمهيد لمرحلة الحكومات البرلمانية ومن رحم حياة حزبية ناضجة ، قادرة
على تأطير مسيرتنا الديمقراطية بأطر مؤسسية ، نعول عليها في تكريس العمل الحكومي
البرامجي ، بوصفه التتويج الإجرائي والعملياتي للمنظومة الاصلاحية ، كفيلة
بتفعيل دور المؤسسة البرلمانية عبر توسيع قاعدة التمثيل الشعبي والحزبي بما يمكن
المواطن من المشاركة والانخراط في العملية السياسية على اسس ديمقراطية . عند ذلك يمكننا
الحديث عن نجاح مشروع الاصلاح الوطني ، والتعاطي معه كمنجز ديمقراطي حضاري
للانتقال بالحالة السياسية الاردنية الى مستويات متقدمة وطموحة . في تأكيد على ان
عملية الاصلاح السياسي لا يمكنها ان تترسخ كممارسة ونهج ، الا بوجود بنية
ثقافية قائمة على تعزيز دور القوى والتنظيمات الحزبية في الساحة السياسية
والبرلمانية من اجل ارساء قواعد العمل الحزبي والديمقراطي ، والارتقاء به الى
مستوى الممارسة السياسية المؤسسية .