بقلم: اسماعيل عايد الحباشنة
شاعت في الخطاب الإعلامي مقولة الجيل الخامس من الحروب، وتحمس البعض لها حتى صارت أداة لتبرير وتفسير كثير مما جرى في الدول ، من انتفاضات شعبية وصراعات، علاوة على بعض المشكلات المزمنة التي سبقت زمنياً ظهور هذه المقولة لأول مره عام 1989 على يد الجنرال الأميركي وليم لاند.
إن المفهوم السابق لحرب الجيل الرابع. أو الحروب في صورتها الحديثة، وفي إطار عصر ثورة المعلومات، أنشأه فريق أمريكي متخصص برئاسة ويليام لاند، بهدف إدخال تغييرات أساسية على الصورة المألوفة للحروب، ومستفيداً من تكنولوجيا المعلومات. استمر هذا المفهوم حتى عام 2010، إلى أن بدأ المفكرون العسكريون في صياغة مصطلح حرب الجيل الخامس، وإدماج الاثنين في بعضهما.
إن المبدأ الجديد لحرب الجيل الخامس، قد جاء نتيجة مشاركة من أطراف مهتمة بموضوع الأمن القومي، وتضم دبلوماسيين وعسكريين، ومشرعي القوانين، وضباط مخابرات وخبراء الانترنت، والتواصل الاجتماعي، يعاونهم علماء النفس، وعلماء الاجتماع، والأكاديميون المختصون بعلم السياسة، واتفقت تقديراتهم على أن حرب القرن الواحد والعشرين، ومن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تتطلب نظرة مختلفة عما كان يحدث في حروب الماضي. ثم جاء مبدأ حرب الجيل الخامس نتاجاً لدراسات أجرتها هذه المجموعات، في إطار ما سمي المعهد التعليمي لحروب الجيل الخامس، يشارك فيه خبراء من جميع الجهات المشار إليها سابقاً.
يتحدث الكاتب الأمريكي جون روب في مؤلفه عن حرب الجيل الخامس بأن جنودها عبارة عن أفراد لا يرتدون الزي العسكري. وأنها حرب أفكار، وأنها تطلق دوامة من العنف، وتدار بأسلوب التدمير الفجائي لقوى الخصم معنوياً ونفسياً، بإطلاق عملية من شأنها إشاعة الإحباط لدى الخصم. وأن ميدانها هو الفضاء الالكتروني، وشبكات النت، لنشر مشاعر الخوف، وفقدان الثقة بالنفس لدى المجتمع، وأيضا تجاه قادته السياسيين.
وتكمل دراسة للمعهد الأسترالي للسياسات الاستراتيجية ASPi، هذا المسار بالقول إن حرب الجيل الخامس عبارة عن تطور يركز على نشر أفكار مقصودة، ويركز على أربع وسائل رئيسية هي:
- استغلال شبكات التواصل عبر الإنترنت، بإطلاق معلومات مجهزة والترويج لها.
- العمل على خلق مجال تواصل افتراضي يسمح لمستخدمي هذه الشبكات، بإضافة معلومات من جانبهم حتى يكتمل التأثير العام.
- إيجاد شبكة متقاربة مع بعضها من المتابعين لهذه العملية.
- التصدي لكل من يظهر كمعارض لهذه العملية، والسيطرة على أي تدفق معلومات مضادة.
وإذا كانت الحروب القديمة لها ميادين على الأرض، وفي البحار، وفي الجو، فإن حرب الجيل الخامس - كامتداد لحرب الجيل الرابع - ميدانها الفضاء الالكتروني ولأن التفكيك الساخن يقوم على العنف بأشكاله المتعددة، فصاحب المخطط لم ينسى أن يصنع لنا العدو السوبر، والذي يتم فيه اجبار الدول التي تشترك في مصالح او التي لديها القليل من القواسم المشتركة ضد عدو مشترك.. حيث يتم صناعة "العدو السوبر" وبناء وشيطنة العدو حتى تستطيع دول ذات المصالح اختراق دول تخطط للاستيلاء عليها بالاستنزاف العسكري والأمني خارجها.. خاصة وأن محاربه تنظيم ليس له قوام رئيسي أشبه بالدخول في حرب أشباح، وهذا هو المطلوب صناعة حرب استنزاف لطاقة الدولة الرئيسية، وتشتيت تركيزها في أنماط من الحروب الصغيرة والمتوسطة داخليا وخارجيا.
إن خطورة الميدان الذي تدار فيه الحرب في صورتها الحديثة، وبقيادة من خبراء متخصصين، متعددي المهارات والمعارف، والخبرات، على المستويات العسكرية والمدنية، إنها صارت قادرة على النفاذ إلى وسائل التواصل الاجتماعي باحترافية عالية، وزرع أفكار تستهوي البعض ممن يستخدمون هذه الوسائل، والذين يتأثرون بخطابها معهم، وكثيرون منهم يعتبرونها مصدراً معتبراً للمعلومات، والأشد خطورة هو إمكان دفعهم ليس فقط لتبني أفكار يتم الدفع بها إليهم، بل أكثر من ذلك القدرة على تشكيل عقولهم، بدفعهم إلى أن يتحولوا إلى جبهة داخلية في بلادهم تكون معارضة للدولة، ليس بسبب أفكار نابعة من ذواتهم، بل نتيجة السطو على عقولهم من قوى خارجية، عملها الأساسي هو إعلان حرب على دولهم، لا تتخذ شكل القتال المسلح، بل تقوم على استهداف العقول والأفكار.
وبناء على ما تم ذكره سابقا فإن الاجيال الجديدة من الحروب.. هي حرب يتم فيها احتلال عقلك لا احتلال ارضك.. وبعد ان يتم احتلالك ستتكفل أنت بالباقي.. ستجد نفسك في ميدان معركة لا تعرف فيها خصمك الحقيقي.. انها حرب ستطلق فيها النار في كل اتجاه.. لكن يصعب عليك ان تصيب عدوك الحقيقي.. وبالأحرى هي حرب من يخوضها يكون قد اتخذ قرار بقتل كل شيء يحبه.. انها حرب تستخدمك انت في قتل ذاتك وروحك.. وفى النهاية ستجد نفسك كنت تحارب بالوكالة لصالح رجل جالس في مكان أخر اختار أن يخرج مشهد سينمائي جديد لفنون الانتحار الجماعي.. حرب المنتصر فيها لم يدخلها ولم ينزل الميدان، وذلك بالضبط التوصيف الطبيعي لحالة حاملي السلاح في ميدان الدماء الموجود بطول المنطقة وعرضها.. وفي انتظار اجيال جديدة.. من الحروب.. في محطات التجارب الجاهزة.
حفظ الله وطننا وقيادتنا الهاشمية وقواتنا المسلحة واجهزتنا الأمنية من كل مكروه.. وللحديث بقية