بقلم: د هايل ودعان الدعجة
ما يلفت النظر أنه ورغم المعضلة
الاقتصادية التي يعاني منها بلدنا ، والتي يفترض أن تحظى بالأولوية المطلقة على
الأجندة الوطنية ، إلا ان الحكومات مستمرة
بالزج بمصطلحات خلافية وجدلية في الساحة الاردنية ، واشغال الشارع بها في اطار
الحديث عن مشروع الاصلاح الوطني ، دون تحديد مفهومها وتعريفها او الغاية منها .
ولم يسجل ان اكتملت النقاشات والحوارات الوطنية بشأنها ، او وصلت الى نتائج تعكس
الجدية في طرحها . وحتى لو افترضنا وجود بعض هذه النتائج فلا يأخذ ولا يعمل بها
وسرعان ما توضع على الرف . اضافة الى انها لا تحظى بتوافقات مجتمعية حول تعريفها
ومضمونها ، حيث يتعامل كل طرف معها حسب فهمه لها ، ويرى ان طرحه ورأيه هو الصواب ،
الذي يجب تعميمه والاخذ به ، فتدب الخلافات والسجالات العقيمة بين الجميع . كذلك
فان هذه المصطلحات ، لا يتم التعامل معها وتداولها عبر قنوات او ادوات نقاشية
وحوارية وطنية معروفة ومحددة ، يفترض توفرها لهذه الغاية ، ما يجعلها اسيرة
الاجتهادات الفردية والعشوائية ، بعيدا عن الحوارات المنظمة والمؤسسية . فاذا بنا
امام حالة من الخلاف والانقسام حول قضايا ومصطلحات لا نعرف لماذا يتم الزج بها ،
ولم يسبق ان تم تناولها او تداولها بصورة متكاملة . ومن ابرز هذه المصطلحات ،
الدولة المدنية والعقد الاجتماعي ( الجديد ) ، التي عكس طرحها ما يشبه الاحساس او
الشعور بوجود خلل معين في المنظومة المجتمعية الاردنية يراد اصلاحه او معالجته دون
تحديده ، ما يجعل كل ما بداخل هذا المنظومة من افكار وعناصر ومكونات مشوب بهذا
العيب او الخلل .
يحدث ذلك دون ادنى مراعاة للخصوصية
الاردنية التي تجسد حالة فريدة من نوعها في القدرة على ضبط الامور ووضعها في اطار
المصلحة الوطنية ، ما يفسر حالة الامن والاستقرار التي ينعم بها بلدنا ،
وذلك رغم وجوده وسط بيئة اقليمية مضطربة تعاني من الفوضى والدمار والحروب . في
تأكيد على دور الخصوصية الوطنية واهميتها ، والتي تعمل بشكل تلقائي على
احتواء وامتصاص اي مخاطر او تحديات ، وجعلها تسير في مسار الصالح العام ، بحيث لا
تسمح للخروج على الثوابت والمصالح الوطنية ، وسرعان ما تتدخل لمعالجة اي فوضى او
انفلات لصالح الامن والنظام . الامر الذي تجلى في احداث الربيع العربي والحركة
الاحتجاجية التي شهدها الدوار الرابع على سبيل المثال ، حيث وقف العالم مندهشا
ومنبهرا امام هذا النموذج الاردني في التعاطي المجتمعي الحكيم مع هذه التحديات ،
وسط اجواء من الحرية والديمقراطية ، باسم التعبير عن الراي في قضايا وملفات وطنية
.
ان هذه الخصوصية انما تمثل الهوية او
الشخصية الاردنية ، مجسدة في العادات والتقاليد والقيم والعلاقات والروابط
الاجتماعية بين المكونات المجتمعية ، والرابطة المقدسة بين القيادة الهاشمية
والشعب والتناغم والتلاحم بينهما ، والاحترام الكبير الذي يكنه المواطن
للاجهزة العسكرية والامنية ، ورسالة مدرسة اصلاح ذات البين النبيلة التي يحرص
شخوصها ورموزها على حملها ونشرها ، حفاظا على النسيج الوطني والوحدة الوطنية وروح
المحبة والتأخي والتواد والتسامح والعيش المشترك وحقن الدماء وحل المشاكل
والخلافات بين الناس ، والتفاعل والتعاطف مع الحالات الانسانية والاجتماعية
، وغير ذلك من الصفات والخصال الطيبة التي تميز مجتمعنا الاردني من نخوة
وشهامة واصالة وكرم وعزة نفس .
فطالما ان الاردن محكوم بدستور
ومرجعيات قانونية ، فلماذا لا يتم تفعيل ذلك وتطبيقه والاحتكام له في انجاز مشروع
الاصلاح الوطني ، بعيدا عن افتعال الازمات وادخال مكونات المجتمع في سجالات
وخلافات ، واقحامها في نقاشات حول مسائل ومصطلحات غير توافقية ، حتى بين التيارات
الفكرية والسياسية الاردنية المختلفة الموزعة بين تيارات وطنية وقومية ويسارية
وليبرالية ودينية وغيرها .
فلنترك للآلية الاصلاحية الوطنية ممثلة
بالخصوصية الاردنية ، مهمة احداث التغيير ( والاصلاح ) المنشود بصورة توافقية
متدرجة ، ولنعتمدها مرجعية وطنية لتحقيق ذلك ، دون اثارة الخلافات والنعرات (
وربما الفتن ) بين ابناء المجتمع الواحد او المساس حتى بالثوابت الوطنية . خاصة
اذا ما عرفنا ان هذه الخصوصية تتأثر بأجواء التواصل والانفتاح الثقافي والحضاري
، ما يجعل منها مرنة وليست جامدة ، وقابلة
للتغير والتطور طالما انها مكتسبة . وتعكس بنفس الوقت ثقافة المجتمع ، الذي
يتأثر بالبيئة المحيطة ، وما يرافقها من
تغيرات وتطورات . دون ان نغفل ان الخصوصية الاردنية مراعية لمنظومتنا القيمية
والاخلاقية والدينية والحضارية والثقافية والتراثية والتاريخية ، التي علينا اخذها
بالاعتبار قبل الانجرار خلف افكار ومفاهيم ( ومصطلحات ) غريبة ودخيلة ، لا تمت
لواقعنا وثقافتنا وحضارتنا بصلة . ما يجعل من الخصوصية الاردنية اكبر ضمانة في
مشروعنا الاصلاحي ، باعتبارها ركيزة اساسية يعول عليها كثيرا في تعزيز امن بلدنا
واستقراره .