في قلب الأزمة العالمية وخاصة التي تعصف بالأمة العربية والإسلامية التي ابتليت بها الإنسانية في الوقت الحاضر يوجد هناك افتقار إلى القيادة الرشيدة في جميع قطاعات المجتمع الإنساني. إن فقدان القيادة الرشيدة هذا يظهر بوضوح من خلال الكشف المستمر عن التصرفات غير الأخلاقية على جميع مستويات المجتمع في مختلف أنحاء العالم. فلم يبق أي مجال من مجالات السعي الإنساني ، بدءًا بالعائلة وانتهاءً بأعلى درجات السلطة، لم يتأثر من ذلك. غالبًا ما يصعب علينا تمييز القيادة الرشيدة لأن المجتمع يقدّم العديد من العبارات المتناقضة حول معنى القيادة.
ولكي تتحقق معادلة التغيير وصياغة أفضل لمستقبل برؤى إشراقية، لا بد من تلك التغييرات الممنهجة على أرض الواقع، ينبغي أن تتم على أيدي قادة على مستوى جيد من المعرفة والمهارة يمكنّهم من قيادة التحسين والتعامل مع مقاومته. على القادة إذن أن يكونوا على ثقة من امتلاك المهارات والأدوات والأساليب اللازمة لوضع الرؤية وإيصالها للآخرين، وضمان انخراط جميع الأفراد في مؤسستهم في تلك الرؤية وتحفيز دافعيتهم على تحقيقها. إن بقاء الوضع على ما هو عليه ليس خياراً مطروحاً لدى القادة والأفراد على حد سواء؛ حيث تؤكد جميع التطلعات الراهنة على الحرص على تحقيق الرفاهية والحياة الكريمة وتلمّس الاحتياجات.
لا بد أن يحرص القادة في إحداث التغيير بصفة عامة على صياغة رؤية مشتركة، وتنمية الالتزام بتنفيذها وتعزيزه لدى جميع الفئات المعنية بالعملية بدءً من داخل المؤسسات التعليمية وخارجها بصفتهم شركاء مساهمين فيها، انطلاقًا من اعتبار التعليم «قضية مجتمعية مشتركة». ويجب أن يسعى القادة إلى تطبيق الاستراتيجيات المناسبة لتحقيق هذه الرؤية، وترسيخ القيم والاتجاهات الجديدة والتجارب التطويرية داخل ثقافة المؤسسات.
وعلى الجهود أن تشمل العمل على جانبين رئيسيين في المؤسسات هما: الجانب التنظيمي والجانب الثقافي والانفعالي وذلك على النحو الآتي:
الجهود الرامية إلى إعادة بناء وهيكلة التنظيم المؤسسي، وتتضمن إحداث التغييرات في البناء الرسمي للمؤسسات التي تتضمن تأثيرًا غير مباشر على التحسين والتطوير في العملية التعليمية - التعلمية.
الجهود الرامية إلى إعادة بناء النسق الثقافي في المؤسسات، وتتضمن إحداث التغييرات في الأنظمة المتصلة بالنماذج، والقيم، والدوافع، والمهارات، والعلاقات التنظيمية مما يؤدي إلى تعزيز أساليب ووسائل جديدة للعمل الجماعي التعاوني ينعكس أثرها مباشرة في إحداث فرق ملموس في عمليتي التعلم والتعليم.
ومن خلال صياغة خريطة المستقبل مشرقة يجب العمل على ربط التنمية العلميـة والبحثية بالحضـارة العربية والثقافة بالتنمية الشاملة وجعلهـا إشـعاع فكرى وجزء من نسيج الأمــة الحضاري للمجتمـع العربي؛ حيث قـدم العـرب للإنسانية علومهــم في الفلك والطب والهندسة والرياضيات والفلسفـة والفنون والميكانيك وتعزيزها لدى الأفراد وببثها في المناهج الدراسية، والاستخــدام الأمثل للتكنولوجيــا الحديثة من خلال تنمية التكنولوجية التقليدية وتطوير التكنولوجية المنقولة عن طريق القدرات الوطنية في مجــال التعليم والبحث العلمــي والتطــور التكنولوجي.
إن القيادة الرشيدة يرتكز عملها بشكل تام على خدمة الآخرين، لذلك فإن أحد متطلبات القيادة الرشيدة هو روح الخدمة، خدمة الفرد لعائلته، لجامعته ولأمته. وروح الخدمة هذه لا تنكر بأي شكل من الأشكال الدوافع والمبادرات الفردية، كما أنها لا تعيق الإبداع الفردي. بل إنها تطالب بنموذج للقيادة يعمل على إطلاق القدرات الكامنة لدى الفرد بينما يضمن خير وسعادة الجميع. هؤلاء الذين يبرزون كقادة سيدمجون على الأرجح روح الخدمة مع الاندفاع نحو التفوق. والمؤسسات التي تنشأ من قيادة محورها الخدمة سوف تعزز سعادة ورفاه الأفراد والمجتمع بأسرها بينما تضمن حقوق وحريات ومبادرات كل فرد فيها. هذه المؤسسات ستصون شرف الإنسان وبالتالي تؤدي إلى حضارة تولي اهتمامًا لجمال الطبيعة ورسم خريطة المستقبل بأجمل صورة.