إدانة عربية واسعة لمخططات إرهابية تستهدف أمن الأردن الدفاع المدني بغزة: المجاعة تتفاقم والوضع "كارثي للغاية" مع استمرار إغلاق المعابر تراجع التضخم في بريطانيا للشهر الثاني على التوالي يخفف الضغوط مؤقتًا جماهير ريال مدريد تستعد بـ"تيفو الملوك" لتحفيز اللاعبين أمام أرسنال لبنان يعلن استعداده لوضع خطة لعودة النازحين السوريين بالتعاون مع دمشق والمنظمات الدولية واشنطن تهدد بتصعيد الحرب التجارية وتلويح برسوم 245% على واردات الصين 1,652 شهيدًا منذ 18 آذار.. ارتفاع حصيلة العدوان على غزة إلى 51,025 شهيدًا و116,432 مصابًا الأردن يطرح عطاء لشراء كميات من القمح الهيئة العامة للبوتاس تصادق على توزيع (100) مليون دينار أرباحاً نقدية بورصة عمان تغلق تداولاتها على انخفاض قطر تدين المخططات التي كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني في الأردن وزير الإدارة المحلية: مشروع قانون ضريبة الأبنية يوفّر العدالة ولن يرفع العبء الضريبي نشامى القوات المسلحة يشاركون باحتفالات اليوم الوطني للعلم الأردني وزيرة التنمية ترعى إطلاق منصة نزاهة لمركز "راصد" "المعونة الوطنية" و"اعمار الجيزة" يوقعان اتفاقية تعاون

القسم : بوابة الحقيقة
الإسكان في فلسطين تحت الاحتلال: من القرى المهجرة إلى العمارة العمودية
نشر بتاريخ : 4/12/2025 1:24:54 PM
د. عمر السلخي

 

بقلم: د. عمر السلخي

 

من خيام اللجوء في الخمسينيات، إلى العمارات العمودية في مدن مكتظة ومقيدة جغرافيًا، ومن القرى المهجرة التي مسحتها الجرافة الإسرائيلية، إلى الأحياء المحاصرة بالجدار والاستيطان، تتشكل خرائط السكن الفلسطيني كمرآة سياسية للصراع لا كمحصلة نمو عمراني طبيعي، ففي فلسطين، لا يُبنى المسكن فقط من حجارة، بل من معاني البقاء، والصراع، والذاكرة، والمقاومة، يستعرض هذا المقال كيف أعادت النكبة والاستعمار الاستيطاني تشكيل الأنماط السكنية في فلسطين، بحيث أصبح البيت الفلسطيني محاصرًا بالجغرافيا، مسيّجًا بالسياسة، محدودًا بالموارد، ومع ذلك لا يكف عن التعبير عن إرادة الاستمرار.

من القرى إلى المخيمات... بدايات التهجير المعماري

عشية النكبة عام 1948، كان الريف الفلسطيني يشكل البيئة السكنية الرئيسية لنحو 70% من السكان، عبر شبكة من القرى المتناثرة ذات طابع معماري تقليدي، يعكس الارتباط العميق بالمكان والطبيعة والزراعة، وبعد التهجير القسري لما يزيد عن 750 ألف فلسطيني، تحولت قرابة 500 قرية إلى أطلال أو مستوطنات إسرائيلية، فيما اضطر اللاجئون للعيش في مخيمات مؤقتة، تديرها وكالة الأونروا، هذه المخيمات، ومنها الجلزون، بلاطة، الدهيشة، ونور شمس، بدأت كخيام ثم صارت أكواخًا ثم إسمنتًا، لكنها ظلت خارج أنماط التخطيط المدني، مما أنتج شكلًا سكنيًا هشًا، معزولًا، ومقيّدًا، يعكس "العمارة المؤقتة الدائمة"، أي سكن مفروض لا يوازي حاجة الإنسان للحياة، بل يؤجلها إلى حين "العودة".

قيد الجغرافيا السياسية... الضفة الغربية تحت المعمار العسكري

بعد احتلال عام 1967، وبدء الاستيطان المنظم في الضفة الغربية، فرضت إسرائيل شبكة معقدة من القيود الجغرافية والإدارية على البناء الفلسطيني. إذ صُنفت نحو 60% من أراضي الضفة ضمن "مناطق (ج)" بموجب اتفاق أوسلو، وهي مناطق يُمنع فيها الفلسطينيون من البناء أو التوسع دون تصاريح شبه مستحيلة.

ونتيجة لذلك، اضطر السكان الفلسطينيون إلى البناء العمودي بدلًا من الأفقي، ليس فقط في المدن الكبرى كرام الله ونابلس والخليل، بل حتى في القرى والبلدات، وتحوّلت العمارة من منزل بطابقين محاط بحديقة إلى عمارات سكنية متلاصقة، تفقد الخصوصية والامتداد، وتُنتج ازدحامًا بصريًا واجتماعيًا واقتصاديًا، يعكس حالة "العيش القسري في المسافة"، وتقابل هذا الضغط السكني مع توسع الاستيطان الإسرائيلي الأفقي والمنخفض الكثافة، في مفارقة عمرانية تعكس عمق التمييز الجغرافي والسياسي.

القدس... السكن كميدان للمواجهة

في القدس الشرقية، يُعدّ الإسكان أحد أدوات الصراع المركزية،  فإسرائيل تُقيّد بشكل ممنهج تراخيص البناء للفلسطينيين، وتُهدم بيوت من يُبني دون تصريح، فيما تُغرق المدينة بمشاريع استيطانية عملاقة، وتشير تقارير حقوقية إلى أن أكثر من 20 ألف منزل فلسطيني مهدد بالهدم أو يعيش "بلا ترخيص"، في حين تُموَّل مشاريع إسكان استيطاني بشكل مكثف وممنهج، ولمواجهة ذلك، يلجأ المقدسيون إلى البناء العمودي داخل الأحياء القديمة، أو تقسيم المنازل إلى وحدات سكنية متعددة، ما يؤدي إلى اكتظاظ هائل، وتراجع الخدمات، وغياب الحد الأدنى من التخطيط العمراني.

الاقتصاد والمجتمع... الضغط المزدوج على حق السكن

في ظل ارتفاع أسعار الأراضي، وغياب التخطيط الوطني الفاعل، وضعف السياسات الإسكانية، تُترك العائلات الفلسطينية فريسة لقروض الإسكان، والتوسع غير المنظم، وتراجع الجودة المعمارية،ولا يملك كثير من الشباب الفلسطيني فرصة تملك سكن إلا من خلال العيش ضمن الأسرة الممتدة، أو البناء في المساحات المشتركة، أو اللجوء إلى مشروعات إسكان مدعومة غالبًا من جهات دولية وان كانت لا تذكر ، وهنا تُطرح أسئلة جوهرية: هل السكن الفلسطيني حقّ، أم مشروع تنموي؟ وهل يمكن الحديث عن عمران وطني دون سيادة عمرانية؟

نحو عدالة إسكانية في ظل الاحتلال

لا يمكن فصل أزمة السكن الفلسطيني عن السياق الاستعماري الذي يُصادر الأرض، ويمنع التخطيط، ويُقنّن التوسع السكاني، ومع ذلك، تبقى الحاجة ملحّة لوضع رؤية عمرانية فلسطينية مقاومة، تشمل:

سياسات إسكانية متوازنة تدمج بين الريف والحضر، وتعيد الاعتبار للعمارة الأفقية.

تفعيل التخطيط المجتمعي التشاركي في البلدات والقرى الواقعة ضمن مناطق (ب) و(ج).

تحفيز المعماريين والمهندسين على إنتاج بدائل سكنية مستدامة ومنخفضة التكلفة.

تحصين القدس والأغوار والمناطق الحدودية بخطط إسكان موجهة لدعم الصمود السكاني.

الضغط دوليًا لوقف سياسات الهدم، وتدويل ملف الحق في السكن كقضية إنسانية وسياسية.

البيت الفلسطيني... بين البقاء والمستقبل

الإسكان في فلسطين ليس مجرد مسألة تنمية، بل قضية سيادة وكرامة ووجود، فمن القرى المهجرة، إلى أحياء المخيمات، إلى العمارات المتلاصقة في المدن المحاصرة، يرسم السكن الفلسطيني خريطة جغرافيا مقهورة، لكنها مشبعة بالإرادة والحياة، وما بين جدران المنازل المتشققة، والنوافذ المطلة على الجدران، والسطوح التي تراها الدبّابات، يبني الفلسطيني بيتًا لا يأوي جسده فقط، بل ذاكرته، وتطلعه، ووعده بأن هذا الوطن لا يُقاس بالمتر المربع، بل بالحق الذي لا يُساوم.

 

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023