القسم : مقالات مختاره
تركيا، هولندا، وسليمان القانوني!
نشر بتاريخ : 3/13/2017 1:14:20 PM
حلمي الاسمر

حلمي الأسمر

ما يفشل به العالم المناهض لأردوغان في الانقلاب على العسكري على تركيا، يحاول أن ينجح به بطرق أخرى، تحت عنوان سخيف لا ينطلي إلا على الأغبياء: المحافظة على الديمقراطية، التي لم يكن يعترف بها الاتحاد الأوروبي بأنها موجودة أصلا، وها هو الآن يحاول أن يحافظ على ما لم يكن موجودا، وكل ما هنالك أن النظام السياسي في تلك البلاد يريد أن يغير بعضا منه بأسلوب ديمقراطي معروف، وهو الاستفتاء، صحيح ان ديمقراطية تركيا ليست هي النموذج الأمثل للديمقراطيات، ولكن أعطوني مثلا واحدا لديمقراطية كاملة، خالية من العيوب، القصة ليست «رمانة» بل هي قلوب مليانة، ولمن لا يصدق هذا الكلام، بوسعه أن يرصد آلاف الحوادث المرئية واللامرئية، التي تحاول أن تشيطن أردوغان وتركيا وديمقراطيتها، والسبب أكبر من ذلك النفس الإسلامي الذي بالكاد تجده في الخطاب السياسي الإسلامي، بل هو أعمق وأخطر وابعد بكثير، فتركيا هي وريثة الامبراطورية العثمانية التي كانت شمسها لا تغيب لا عن أوروبا ولا عن أجزاء كبيرة من العالم القديم، ولم يتسن للعالم الغربي المتوحش أن يقتسم بلادنا ويستبيحها ويبطش بها، إلا بعد أن انتصر على العثمانيين، واي حركة نهضوية تركية تشي ولو بالزر اليسير من الأمل، باستعادة ولو واحد من ألف من سلطة وسيطرة وجبروت آل عثمان الماضي، يعني بداية النهاية للحضارة الأوروبية، سيقولون لك هنا عن علاقة اردوغان بالكيان الصهيوني، وتطبيع علاقته به، وعضوية تركيا في الناتو، وغير هذا مما يشهرونه في وجه كل من يريد أن يفهم ما يجري، ونقول ان من يعيش في هذا العالم الذي يحكمه الصهاينة والحكومة العالمية العميقة، يعلم أن التحرك في هذه الغابة يلزمه أن يكون أكثر من ثعلب واقل من شيطان، كي تغلب على شيطنتهم!

-2-

كي تفهم الحاضر لا بد من عودة بين حين وآخر إلى التاريخ، حينما منعت هولندا طائرة وزير خارجية تركيا من الهبوط في أراضيها، ورد اردوغان بالمثل وهو ما لم يعهده الرجل الأبيض من حاكم مسلم، قيل أن اردوغان تسرع برد فعله، ولكن ثمة واقعة تاريخية لا بد من استذكارها هنا، كي نفهم سر هجمة أوروبا، وليس هولندا على اردوغان، الذي يعتبر سليمان القانوني مثله الأعلى، هذا الخليفة العثماني العملاق كان له قصة لم ندرسها في كتب التاريخ مع حكام هولندا، إذ حين هدد الاسبان بالعدوان على هولندا، بعثوا يستنجدون بجيش السلطان سليمان، فرد عليهم ان ظرف الدولة لا يسمح بإرسال جنود عثمانيين لحماية هولندا من الإسبان، وبدلا من هذا، اقترح أن يرسل بضع عشرات من بزات الجنود العثمانيين، كي يرتديها جنود هولندا، وبهذا يخشى الإسبان من الاعتداء على هولندا، وهذا ما تم، ونجت هولندا من الاعتداء الإسباني نحو ثلاثين عاما، أو أقل لا اذكر، والإسبان يخشون ان يعتدوا على هولندا، لظنهم أن من يحميها جنود آل عثمان، لا بزاتهم العسكرية!

اعتقد ان اردوغان وهو يبدي رغبته في عدم رؤية سفير هولندا في اسطنبول، لم يكن ينسى تلك الواقعة، وكذا هو الأمر بالنسبة لهولندا واوروبا كلها التي كانت ترتعد من جنود الامبراطورية، وخير لهم ان يستبقوا الأمر، فيبذلوا كل ما في وسعهم لإبقاء تركيا في حالة ضعف وتحت شعور من عدم الأمان، كي لا يكتمل مشروع هذا البلد في أن يعود لاحتلال المكان اللائق به في خارطة الدول العظمى!

عن الدستور

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023