القسم : مقالات مختاره
ماذا يريد أصدقاؤنا وأعداؤنا لنا ومنا ..؟!
نشر بتاريخ : 1/8/2017 12:53:25 PM
حسين الرواشدة


حسين الرواشدة

مفهوم، بل وضروري، ان نبادر الى مواجهة التطرف، لتطويقه وحصاره واستباق تحوله من مجرد فكرة في الرأس الى عمل اجرامي على الارض، لكن من الضروري ايضا ان نبادر الى مواجهة “ الارهاب “ الجاهز الذي اكتمل تشكله واصبح خطرا داهما لا مجرد تهديد فقط.

لكي اوضح الصورة اكثر، ثمة فرق كبير بين ولادة التطرف ، بما تقتضيه هذه الولادة من اسباب وظروف موضوعية وذاتية تتعلق بالبيئة المحلية، وبين “ صناعة “ الارهاب بما تحتمله هذه الصناعة من تداخل بين المحلي والاقليمي والدولي، وبما تحتاجه من امكانيات ومهارات متقدمة، وبما تحاول ان تفرضه من استحقاقات في سياق التوظيف السياسي الذي يستهدف “ارضاخ “ المنطقة ( وبلدنا ايضا) لجملة من التغييرات التي تتطابق مع مصالح “ الكبار “ في الاقليم والعالم.

التحذير من التطرف، اذا، واجب، لكن ما دامت الفكرة التي نخشاها تحولت الى ارهاب له “ خلايا “ وتنظيمات ومتفجرات لا نعلم هويتها ولا حقيقة من يقف وراءها ولا ما تفكر به في المستقبل، فان مواجهته يجب ان تكون اولوية، وهذه المواجهة تحتاج الى “اعادة تقدير “ لموقفنا تجاه مختلف القضايا والتحولات التي تتعلق بالبيت الاردني، وبشبكة علاقاتنا مع المحيط الاقليمي والدولي ايضا.

ان السؤال المركزي هنا هو : ماذا يريد اصدقاؤنا واعداؤنا لنا و منا ؟ لا اتحدث هنا فقط عن داعش واخواتها، فنحن نخوض حربها معنا منذ سنوات طويلة، ونتوقع منها ان تستهدفنا في اي لحظة، لكن هل تعمل هذه التنظيمات بمعزل عن قوى اقليمية ودولية ؟ وهل هذه القوى بريئة من  توظيف هذا الارهاب، اذا ارادت، ضدنا ؟

لاحظ هنا، انني تعمدت، ان اتجاوز سؤال مهم اخر، وهو : ماذا نريد نحن لبلدنا ؟ لا اقصد هنا ما يتعلق بالامنيات والطموحات فهي معروفة، اذ لا احد، - مهما كان – يتمنى ان نواجه اي شر ولا ان يصل الينا اي اذى، لكن شتان بين الرغبات والوقائع، او بين ما نحلم منه وبين ما يجب ان نفعله، هنا -في الافعال - مربط الفرس الذي اترك التفكير به لمن يهمه الامر، وهو ما يجب ان نتحرك جميعا للتوافق من اجله، لان مصيرنا جميعا معلق بما سنفعله لا بما نريده او نقوله فقط.

بالعودة الى سؤال ماذا يراد لنا، وهو يتعلق بسياق “ صناعة “ الارهاب، وتصديره، يمكن ان نناقش مسألتين : الاولى، تتصل بداعش وغيرها من التنظيمات الارهابية التي وضعتنا في “ بنك “ اهدافها، حيث لابد من الانتباه الى التحولات التي طرأت على “ استراتيجية “ الارهاب والتوحش لديها، ابتداء من التمدد الديموغرافي بعد الانحسار الجغرافي، مرورا بتوسيع مظلة “ التكفير “ والمستهدفين به، انتهاء باستخدام الادوات المحلية واستغلالها لتنفيذ مهامها، وهذه الادوات يمكن ان تكون “ ذئابا “ منفردة، او خلايا او شبكات عائلية ، كما يمكن ان تكون “ نوعية “ وتشمل النساء والاطفال ايضا.

في سياق صناعة الارهاب وتصديره وتوظيفه لابد ايضا ان نلتفت الى الفاعلين في المشهد الدولي والاقليمي وخاصة الذين اصبحوا في عداد “ مقاولي “ الارهاب، وهم هنا كثيرون سواء اكانت تربطهم - بشكل او باخر  -علاقة بالتنظيمات او كان لديهم القدرة – ناهيك عن الرغبة – بالسماح للارهاب بالتمدد والمرور تبعا لمصالحهم.

لا اريد ان ادخل في تفاصيل هؤلاء الفاعلين وتحالفاتهم المعروفة، لكن المهم ان ننتبه الى حركة التحالفات التي تجري حولنا، والمستجدات التي طرأت على خارطة الارهاب، وجغرفيته ومحاولات استغلاله من بعض الاطراف، كما لا بد ان نراجع بدقة الفواتير التي يمكن ان نسددها كحصاد للصراع الطويل الذي دار في المنطقة، وهي فواتير على ما يبدو كبيرة ، سواء اكانت بسبب “ حيادنا الايجابي “ او بسبب تدخلنا المباشر.

باختصار، لقد تجاوز “ الخطر “ الذي كنا نحاول التصدي له مرحلة التطرف بالافكار كحالة “ ولادة “ محلية الى مرحلة “ الارهاب “ المصنع والجاهز للتصدير، وهذا الخطر قد لا يحتاج الى بيئات محلية بالضرورة، فهو عابر لهذه البيئات، لكنه سيكون اخطر اذا تمكن من ايجادها كحاضنة لعملياته، لكن التصدي له يحتاج الى مقاربات ابعد من المعالجات المحلية، لارتباطه باجندات اقليمية ودولية، وباعتباره مشروعا سياسيا له اهداف محددة، والاهم من ذلك بمن يقف خلفه من قوى لا يمكن الوثوق فيها اذا ما اقتضت مصالحها ان تلوي ذراع من تريد.

عن الدستور

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023