القسم :
محلي - نافذة على الاردن
نشر بتاريخ :
15/09/2025
توقيت عمان - القدس
9:25:52 PM
"هيكل سليمان" و"قمة الدوحة".. والملك حين تحدث بلسان الأمة!
الحقيقة
الدولية - عمّان - المحرر السياسي -
ربما اختصر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، مخرجات
القمة العربية-الإسلامية المشتركة (غير العادية) التي عقدت في العاصمة القطرية
الدوحة، عندما قال : إن القمة تحمل رسالة للمجتمع الدولي بضرورة التوقف عن الصمت
إزاء الممارسات الإسرائيلية!
نعم، هكذا فقط، دون تحليل وتمحيص وبكل بساطة..
ومع أن كلمات القادة والزعماء العرب والمسلمين كانت قوية ومنددة ومدينة
لجرائم الكيان الإسرائيلي، وبدى الموقف العربي الاسلامي هذه المرة أكثر حدة
ووضوحًا، وسط دعوات لتفعيل أبواب التنسيق والتعاون والدفاع المشترك، وبلورة موقف
عربي وإسلامي متشدد ضد الكيان وصلفه، كما أن اللهجة الغاضبة كانت بارزة في مداخلات
معظم القادة، في تعبير عن رفض جماعي للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الشعب
الفلسطيني، التي يمارسها دون رقيب أو حسيب على الدول العربية وأخطرها حرب الإبادة
التي يشنها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ما يسجل لقمة الدوحة أنها
"متقدمة" على القمم العربية الاسلامية السابقة، ويمكن البناء عليها..
في المقابل، ربما ترى الشعوب العربية بإن مخرجات القمة ظلت تدور في فلك
مخرجات القمم العربية الغابرة، التي اكتفت بالإدانات وتوجيه رسائل التأمل والتوسل
والتوسم، من وإلى العالم الغربي، الذي هو أصلاً متواطئ مع كيان الاحتلال، دون
اتخاذ قرارات استثنائية، وعملية، قادرة على لجم غطرسة الكيان الإسرائيلي
المقيت، ووضع حد لجرائمه الدموية التي يستبيح بها الدول والعواصم العربية دون وازع
أو رادع.
وهنا يبرز السؤال الذي يطرحه المواطن العربي المتأمّل: ما جدوى القمم
العربية إذا ظلت مخرجاتها مجرد حبر على ورق؟ ولماذا لا تُفعّل أدوات الردع العربي
في ظل مخاطر وجودية تطال الجميع؟ وما هي الحدود الشافية، والخسائر الكافية، لخروج
المارد العربي من قمقمه، ووضع حد فاصل لهذا الكيان الذي ينخر في جسد الأمة
كالسرطان الخبيث؟
ربما كانت كلمة الملك عبدالله الثاني التي اتسمت بالحدة خلال أعمال القمة،
هي الأصدق تعبيرًا عن تطلعات المواطن العربي الذي يترقّب أفعالاً لا أقوالاً من
قادته، حين دعا جلالته صراحة قادة الدول العربية والإسلامية إلى "اتخاذ رد
واضح وحاسم ورادع" ضد كيان الاحتلال، وطالب القادة المجتمعين بضرورة اتخاذ
«قرارات عملية» وعدم الاكتفاء بـ«الخطابات الدبلوماسية»، لمواجهة هذا الخطر
الصهيوني الوجودي ووقف حرب غزة ومنع تهجير الشعب الفلسطيني، وهو حقيقة، الموقف
الذي يجسد رغبة الشعوب العربية والاسلامية الممتدة من المحيط إلى الخليج،
ومن طنجة إلى جاكرتا..
الدبلوماسية الاردنية، استبقت مواقف القمم العربية، وتجاوزت مفهوم
الدبلوماسية التقليدية، وتحولت الى ترسانة سياسية مذخرّة، يقودها رأس هرم الدولة،
الملك عبدالله الثاني، وتترجمها وزارة الخارجية، بوزيرها المحنك الفذ، أيمن
الصفدي، الذي استبق القمة العربية بموقف يتجاوز الاعراف السياسية الساذجة، وفي قلب
مجلس الامن مؤخراً، وحمل بلسان الاردن، خطاباً سياسياً عروبياً اسلامياً، ونقل
رسالة الأمة، إلى دول وشعوب العالم برمته.
في المقابل، ما زالت نظرة الشعوب العربية من جامعة الدول العربية، تراوح
مكانها، فهي التي يفترض بها قيادة العمل العربي المشترك، فيما اعتُبر على لسان
أمين عامها المساعد، وقبل ساعات من انعقاد القمة، أن «الظروف غير مواتية لتفعيل
اتفاقية الدفاع العربي المشترك»، وربما كان هذا التصريح بمثابة بيان استباقي
تمهيدي لمخرجات القمة للحد من طموح الشعوب العربية الطامحة بقرارات عملية ترقى إلى
مستوى تطلعاتها، وتخفف من سخطها على ما تراه صباح مساء، من إبادة شعب عربي مسلم
يذبح منذ سنتين على مرأى ومسمعٍ من العالم، وهي مقهورة مقيدة عاجزة.
إذن، ماذا بعد؟ انتهت القمة الطارئة وغادر المجتمعون، والإبادة ما زالت في
ذروتها، والغطرسة الصهيونية في أوجها، والتواطؤ الأمريكي بلغ حدًّا من الوقاحة
بإرسال وزير الخارجية ماركو روبيو إلى القدس المحتلة، وهو يرتدي الطاقية اليهودية
(الكِيباه) على رأسه جنبًا إلى جنب مع رئيس حكومة الإبادة بنيامين نتنياهو المطلوب
للعدالة الدولية، وأديا معًا طقوسًا دينية عند حائط البراق المحتل، الذي بات ينوح
على واقع الأمة، ثم ينشر الوزير الأمريكي بكل وقاحة تغريدة قال فيها: إن
زيارته «تعكس إيمانه بأن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل»، ضارباً عرض الحائط
بالأمتين العربية والاسلامية الحالمة.
هكذا، بكل وقاحة وصلافة، وبتعمد فجّ، جاءت زيارة روبيو المتزامنة مع أعمال
القمة العربية-الإسلامية للقدس المحتلة، حاملة دلالات سياسية وعقائدية
بالغة الخطورة، تمثّلت برسالة دعم سياسية قوية ومباشرة لنتنياهو وحكومته أن «امضوا
في حرب الإبادة ومخطط الضم، فنحن نقف معكم وخلفكم ولا تكترثوا لأحد». مثلما تجسّدت
اليوم في افتتاح روبيو لما يُسمى «طريق الحج في مدينة داود» وهو مشروع حفر أسفل
حيّ سلوان الفلسطيني في القدس المحتلة الذي تمضي قيادات الكيان التلمودية على قدم
وساق، لبناء هيكلها المزعوم، وأين؟.. على أنقاض أولى القبلتين.. للشعوب والدول
العربية والمسلمة التي اجتمعت اليوم في الدوحة!