ماهر ابو طير
يقوم انتحاريان، بتفجير أنفسهما وسط العراقيين، في بغداد، فيسقط عشرات الشهداء ومئات الجرحى، ولا كأن بغداد هذه تريد ان تستريح يوما ما.
اربعة عقود متتالية، وبغداد تنزف دما، فمنذ الحرب العراقية الايرانية، تم دك بغداد ومناطق عراقية اخرى، فسقط خلال الحرب، شهداء وجرحى، وكانت الكلفة مرعبة، اذ تضرر ملايين العراقيين على مدى سنين الحرب، ثم بعد ذلك احتلال الكويت، والحرب على العراقيين، والحصار وكلفته، وماجرى بعد عام 2003، من احتلال اميركي للعراق، والفوضى الامنية التي عصفت بكل العراق، حين وقعت الاف العمليات الانتحارية، والتفجيرات في كل العراق، وبغداد حصرا.
تعددت اسباب الموت، والنتيجة واحدة، والمشكلة اننا كعرب، نتشاغل بكل حالة على حدة، فننشغل اليوم بتفجير بغداد الاخير، ونتعامى عن اربعة عقود دموية على كل العراق، لاعتبارات مختلفة، ومتناقضة، ويدفع العراقيون فرادى ثمن هذه الحرب التي لا تريد ان تتوقف.
هذا من ناحية سياسية وامنية، يعد خرقا كبيرا، بالحكومة العراقية التي انتهت للتو، من معاركها مع داعش وغيرها من تنظيمات اخرى، تم توجيه ضربة قاسية لها امس الاثنين، وكأن جهات عديدة تريد ان تقول ان المعركة مستمرة، وان لديها القدرة على القتل في بغداد ذاتها، وهو امر قد نراه يتكرر خلال الفترة المقبلة، بما قد يعني ان المعركة لم تنته فعليا، وهناك من يريد ان يقتل المزيد من العراقيين.
ما ذنب الابرياء من العراقيين، حين يتم قتلهم بهذه الطريقة على مدى عقود، تارة في حرب مع الايرانيين، وتارة جراء مغامرة متهورة بالدخول الى الكويت، والا تحت الحصار ونقص الغذاء والدواء، او تحت قصف الطيران الاميركي للمدنيين في بغداد وغيرها، وها نحن نشهد منذ عام 2003، تواصلا لهذا الموت، تارة تحت عناوين مذهبية، فيقتل الشيعي السني، وينتقم السني من الشيعي، ونجد اطرافا ثالثة، تغذي الحرب المذهبية، فتقتل هنا وهناك، لادامة هذه الحرب، التي تجد حطبا ايضا لنيرانها.
هذا ماكنا نقوله في كل الازمات، وعلى سبيل الاستذكار فقط، يقال للمنقسمين في الازمة السورية، مابين معارض للنظام، او مؤيد له، ان كليهما على خطأ، لان لا احد يقف فعليا عند الكلفة الكبيرة التي دفعها الشعب السوري، الذي خسر كل شيء، وسط هذا التطاحن الدموي، الذي يتغطى بشعارات الحرص على السوريين، من جانب كل اطراف الازمة السورية، ووحده السوري يدفع الثمن، مثلما هو وحده العراقي يدفع الثمن، جراء حروب لا ناقة له فيها ولا جمل.
حزينة هي بغداد، ووجهها تبددت ملامحه جراء كل هذا الموت والخراب، الذي يحرم ابرياء العراقيين، من حياتهم، وفرحهم، يجعلهم على موعد دائم، مع الغدر في كل توقيت.
لم نسمع عن مدينة بقيت على قيد الحياة، طوال موت متواصل على مدى اربعة عقود، سوى بغداد، ونراهن بأمل ان تأتي تلك الانفراجة، فيسترد العراقيون حياتهم، بدلا من كل هذا الموت المجاني، في العراق، وفي العالم العربي ايضا، ولربما يقال انها المدينة الوحيدة في التاريخ، التي بقيت تحت الحرب اربعين سنة، وما زالت على قيد الحياة.
الحقيقة الدولية - وكالات