بقلم: د. عادل محمد عايش الأسطل
اعتبرت الدول العربية والإسلامية نفسها، بأنها حققت انتصاراً ساحقاً، وإنجازاً ضخماً، ضد قرار رئيس الولايات المتحدة "دونالد ترامب" والذي يقضي بأن القدس عاصمة لدولة إسرائيل، عندما مررت قراراً يدين القرار، وكما يبدو - بغض النظر عن اجتماعاتها السالفة أو اللاحقة- فإنها قد توقفت عند هذا الحدّ، باعتباره كافياً، مع ملاحظة أن بعضها، لم ينقطع جريها صوب التطبيع مع إسرائيل، باعتباره مصلحة استراتيجية.
حتى في ضوء خسارته المؤقّتة، بشأن (صفقة القرن)، التي تعهّد بفرضها على العرب والفلسطينيين، فإن "ترامب" له الحق، بأن يعتبر نفسه، هو الذي حقق الإنجاز الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، وفي ضوء جُبن رؤساء أمريكا السابقين، من الاقتراب من اتخاذ مثل هذا القرار، برغم وعودهم بتنفيذه حال وصولهم للسلطة.
أيضاً، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو"، وجد أن من الحق، في أن ينسب ذلك الانتصار لنفسه، باعتباره هو الذي حقق ذلك الحلم السعيد، الذي طالما انتظرته إسرائيل، وفي ضوء توقعاته الكبيرة، بأن تحذو دولاً أخرى حذو الولايات المتحدة، بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقيامها بنقل سفارتها إليها، ومن غير خشية من المواقف العربية والإسلامية، التي بدت متهالكة.
حركة حماس، وبالتزامن مع القرار الجلل، اكتفت بالتعهّد بتشغيل برامج خاصّة، مهمتها التصدّي للقرار، وسواء كان بالمقاومة الشعبية، من خلال تعيين أيام غضب، أو من خلال منحها الرئاسة الفلسطينية لاستعمال السبل الديبلوماسية على الصعيد الخارجي، إلى جانب التهديد بالحرب كمرحلة أخيرة، برغم بذلها كافة الجهود لتفاديها، بسبب عدم إعطاء إسرائيل فرصة لجذبها إلى جولة قتالية جديدة غير مناسبة لها.
وكانت قد عملت ما بوسعها، على إيقاف حركة الصواريخ المندفعة إلى إسرائيل، وملاحقة قاذفيها، وإغلاق المناطق المحاذية على طول الحدود، وفي ظل رغبتها، بتكرار الإعلان عن تنصلّها، من مسؤوليتها عن السيطرة على القطاع، والجانب الأمني بخاصة، والتذكير بأن الداخلية الفلسطينية الجديدة، هي المسؤولة بمفردها.
حركة فتح، برغم كل ما اجتمع لديها من الغضب، ضد قرار "ترامب"، إلاّ أنها لم تتوصل بواسطته إلى اتخاذ قرارات موازية، لا تقل قيمة عنه، واكتفت بقيامها بالسعي إلى نثر نيرانها الفاترة، على "ترامب" وأفراد إدارته، ومن دون المساس بتعهّدها إزاء مشروع السلام (أوسلو).
وفي ذات المناسبة، فقد أصرّت على توجيه اتهامات مباشرة، لرئيس الوزراء الإسرائيلي "نتانياهو"، باعتباره هو من ساعد في إخراج القرار، وكان عزاؤها الوحيد، هو قيامها بالعمل على جمع وتسجيل التنديدات المختلفة، للدول المتعاطفة معها والصديقة لها، باعتبارها ورقة ضغط نافعة لمكافحة ذلك القرار.
برغم وقوع قطاع غزّة، في حالة من الاستقرار الأمني، إلاّ أن حركة حماس سارعت إلى تحميل الرئيس "أبومازن" وحكومة "الحمد الله" المسؤولية الكاملة عن الأوضاع المأساوية التي يمر بها القطاع، والتي شملت كل مناحي الحياة، وهي في نظرها تنتشر وتتزايد وتيرتها - وقد شهد القطاع إضراباً عاماً هذا اليوم، نظراً لسوء الأحوال الاقتصادية- بسبب عدم القيام برفع العقوبات المفروضة على القطاع، برغم تسليمها دفّة إدارته إلى حكومة التوافق، ترتيباً على بنود المصالحة، التي تم التوقيع عليها من قِبل الحركتين، قبل أكثر من شهرين متتاليين.
لقد طرأ الكثير من التشاؤم، خلال الأيام الأخيرة، فيما يتعلق بإمكانية حصول المصالحة الحقيقية بين الحركتين، حيث تتحوّل محادثات الوحدة الوطنية بشكل مطرد إلى عمليات اتهام صارخة، لدرجة أنهما شارفتا على الاقتناع، في أن التقدّم إلى الخلف، أفضل لهما من الرجوع إلى الأمام.
مع التقدير، لموقف الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" باتجاه قرار "ترامب" حيث استعمل جرأته النادرة بشأن مواجهة القرار، لكنه كما يبدو، قد أخذ المسألة وكأنها أسهل ممّا ينبغي، حيث اعتبر وقوف العالم - الأمم المتحدة - ضده، باعتباره أشهر البطاقة الحمراء في وجهه، مع أنه يعلم بأن تلك البطاقة غير ذات رصيد، فضلاً عن أنها قابلة للتغيير خلال أوقات آتية.
كما أن قيامه بزرع الأمل، في أن يتراجع "ترامب" عن قراره بناءً على تلك البطاقة، لهو عين الضلال، بسبب علمه بأن "ترامب" لا يزال يحمل في طواياه التقدم أكثر، بشأن اتخاذ قرارات مصيرية مشابهة، وسواء كان بالاعتراف بيهودية الدولة، أو بقيامه بتجاهل حل الدولتين، لا سيما وأن إدارته تعكف على دراسة شطب مصطلح الاحتلال عن الضفة الغربية.
مع ادّعاء المنظومات العربيّة، بأنها إلى جانب الفلسطينيين، وسواء كان قوميّاً وإنسانيّاً، لكن علاقاتها المتجهة نحوهم، هي علاقات وهميّة ولا خيال لها، ففي الواقع هي بذاتها من تفرض قيودها عليهم، وسواء كانت بحجج أمنيّة أو إنسانيّة وحتى ديمغرافيّة، (معبر رفح نموذجاً)، بينما تسمح ودون عوائق لغيرهم وللإسرائيليين بخاصة، بالدخول إليها والطواف في أرجائها.