بقلم: د. عادل محمد عايش الأسطل
خلال الأيام القليلة الفائتة، أسقطت
الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشروع قرار، يقضي بإدانة حركة حماس بوصفها حركة
(إرهابية) في أعقاب إطلاقها عدّة مئات مختلفة من المقذوفات الصاروخية باتجاه مناطق
إسرائيلية، كانت تقدّمت به "نيكي هايلي" مندوبة الولايات المتحدة، وبدعم
حاسم من دول الاتحاد الأوروبي، حيث شكل إسقاط المشروع إنجازاً كبيراً لصالح
المقاومة، وبالضرورة انتصاراً مهمّاً ضد واشنطن وإسرائيل.
برغم ذلك، ومن غير التقليل من قيمته
وثقله السياسي، فإن القرار أثار صدىً واسعاً ومتقدّما لدى الإسرائيليين أيضاً،
باعتباره ليس فاشلاً تماماً بالنسبة لهم، بل ومنهم من يقول بأنه (إنجاز تاريخي)
إلى الدرجة التي يجب فيها الاحتفال وعلى ثقةٍ تليق به، وقد جرى على هذا النطاق،
وعلى سبيل الفخر، لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو"، على
أن عدد الدول التي صوتت في الجمعية لإدانة حماس، يعكس (نجاحاً مهمّا جداً للولايات
المتحدة وإسرائيل)، رغم أنه لم يتم تبني مشروع القرار.
ربما يحق لـ(نتانياهو) الفخر، بأن 87
دولة – للمرة الأولى وكأغلبية فاعلة- صوّتت لصالح القرار، أي بفارق بضعة أصوات فقط
عن نقطة تمريره، ويأتي فخره بالضرورة، كون الدبلوماسية الإسرائيلية تحقق تقدّماً
وبدرجة كافية، ليس في الجانب الغربي بمفرده، بل في الجانب العربي أيضاً وبشكلٍ
خاص، إذ لم يكن مثل هذا العدد من الدول متوفراً خلال الأوقات السابقة من الآن.
قبل عدّة سنوات تعهّد
"نتانياهو" أمام الكل حول العالم، بإحداث اختراقات كاملة لسياسات دول
العالم وخاصة الأفريقية والآسيوية، ودول أمريكا اللاتينية، كونها هي التي تمثل
الأغلبية في مسألة دعم وإسناد جلّ القضايا العربية والقضية الفلسطينية على نحوٍ
خاص، وسواء من خلال مواقفها السياسية المعلنة، أو داخل هيئات الأمم المتحدة
المختلفة، ويبدو أنه أوفي بتعهّده كما ينبغي، وثبت بما حصل خلال هذه الجولة.
لا شك، فإن رفض المشروع بصورته التي
انتهى بها، وفي مقابل انتصار المقاومة الفلسطينية، التي لا تملك سوى ما ندر من
الضمير العالمي فقط، سيكون دافعاً لإسرائيل وبدرجة أقوى، التي تحوز الإمكانات
الضامنة، والعاملة بشغفٍ كبير في شأن نسج علاقات أقوى مع كافة الدول المستهدفة،
وسواء الساقطة منها، أو تلك الآيلة للسقوط، باعتبارها الأمل الأكثر قرباً أمام جلب
الأغلبية لصالحها وبشكلٍ علني، لا سيما وأن لدينا من الأصوات العربية من تعتبر
حركة حماس بأنها (حقّاً) إرهابية، حتى قبل أعوام من طرح المشروع الأمريكي.
لقد أصبح "نتانياهو" منذ
الفترة الأخيرة وحتى الآن، حليفاً جيّداً لدول عربية، حيث حجبت نفسها صراحةً، عمّا
اعتادت عليه بشأن تبنّيها القضية الفلسطينية، من ألفها إلى يائها، وعلى مدى عقود
فائتة، باعتبارها قضيتها الأولى، ولا تبرح سلّم أولوياتها، وبأن لا مكان لإسرائيل
الصهيونية، وسط القومية العربية.
على أي حال، فإن رفض الجمعية لتمرير
المشروع، لا يجب أن يكون مدعاةً لإبداء الراحة والسرور، وبقدرٍ زائدٍ عن الحدّ،
فربما يكون من الأولى، أن يكون بمثابة محطة تحذير وسواء للحركة أو المقاومة
الفلسطينية بشكل عام، بأن الذي يجب أن يكون محلاً للقلق، ليست الإجراءات
الإسرائيلية المنفردة التالية وحسب، بل بالنسبة لإجراءاتها المتجهة نحو تكريس
تأثيرها على الحلفاء الجدد، كي ينقلبوا إليها أكثر فأكثر، وفي ضوء قدرتها
المثالية، على القيام بخلق وإيجاد الكثير من المشتركات، والتي توحي بأنهم قد
يصبحوا يوما، وكأنّهم يشتغلون ضدها بسلاح واحد.