حسين الرواشدة
أين يقف الأردن، وما هي خياراته تجاه ما يجري في المنطقة من أحداث وتحولات خطيرة..؟
قبل الإجابة استأذن بتحرير مسألتين : الأولى ان المشكلة بالنسبة لنا لا تتعلق بالاختيار بين متناقضين احدهما العلاقات مع ايران والآخر العلاقات مع عالمنا العربي الذي يشكل مجالنا الحيوي، القرار هنا يبدو محسوما باتجاه العمق العربي باعتباره اولوية سياسية وامنية(وجودية ادق)، اما المسألة الاخرى فهي تشكك في الاساس الذي انطلقت منه الفرضية الاولى، ذلك ان اقامة علاقات متوازنة مع الاطراف الفاعلة في المنطقة (ومن ضمنها ايران) على قاعدة التنوع في الخيارات لا تتناقض مع انضمام الاردن لاي تحالف عربي يتقاطع مع المصالح الاردنية، وبالتالي فان بمقدورنا ان نفصل بين موقف يسعى الى فتح “خط” مع ايران وبين موقف آخر يستجيب لاضرارات انحيازنا للعمق العربي .
المشكلة بالنسبة للاردن ليست هنا، وانما في ترتيب الاولويات على صعيد تحديد الخطر الذي يجب مواجهته، وهنا يبدو ان ثمة مسارين في عالمنا العربي، احدهما اتجه نحو اعتبار ايران هي الخطر الاول، وبالتالي لا بد من التصدي له من خلال اضعاف وكلائه في المنطقة( حزب الله والحوثيين تحديدا)، اما المسار الآخر الذي يتبناه الاردن فهو اعتبار الارهاب هو الخطر الذي يتوجب ان يكون اولوية لاي تحالف عربي يمكن ان يتشكل في هذا الاطار(لاحظ هنا انني تعمدت عدم الاشارة الى اسرائيل).
يمكن ان ندقق في خارطة التحالفات لكي نفهم على الاقل اين نضع اقدامنا، هنالك ايران التي اصبحت “وكيلا” معتمدا من قبل الغرب لادارة شؤون المنطقة، وهي تسند ظهرها الى تحالفها مع روسيا، وتفتح “فمها” لابتلاع سوريا والعراق، ولديها شهية مفتوحة للتمدد في اماكن اخرى، وهناك السعودية وحلفاؤها ، تحاول ان “ تطوق” المد الايراني او ان تستوعبه وتشاغله على الاقل، وعلى الطرف الاخر تقف تركيا التي تحاول الخروج من انكفائها وازماتها الداخلية لانتزاع “حصتها” في اي ترتيبات قادمة وقص اجنحة العمال الكردي الذي تعتبره عدوها الاول، وهناك ايضا اسرائيل التي تريد ان تقتنص فرصة المواجهة داخل الاطار العربي الاسلامي( سنة وشيعة) وحالة الضعف التي يعاني منها الرجل العربي المريض للانقضاض على ما تبقى من وحدته، ولو شكلية، بين العرب، والاستفراد بالدول العربية والاسلامية لضمها الى صفها او تدمير قوتها اذا لزم الامر.
يبدو العرب وسط هذه الخارطة المتشابكة غائبين تماما، او انهم في احسن الحالات يجلسون على الرصيف ، ويعملون في الهامش، فلا تحالف عربيا قائم ولا مشروع عربيا موجود، ولا سند دوليا يمكن ان يقايضوا معه المصالح بالمصالح، فقد انشغل الخليج العربي بازماته ، وكذل فعلت مصر “ام الدنيا” انهارت الحواضر العربية المعتبرة وبقيت الدول الصغرى حائرة تبحث عن ملاذات امنة تحتمي بها، اما القضية الفلسطينية فقد اصبحت خارج السياق وتم سحب ملفها تماما من فوق الطاولة.
الآن في ضوء هذه الخارطة الملغومة، هل يبدو من السذاجة ان نسأل: اين يقف الاردن وما هي خيارته؟ ربما، لكن مع افتراض ذلك لا بد ان نطرح هذا السؤال ونجيب عنه بجدية؛ لان اي خطأ قد نقع فيه لا سمح الله سيضعنا في دائرة الخطر.
في اطار هذه الخلفية امام الاردن مساران ( اضطراران ان شئت) : الاول يتعلق بالداخل الوطني، إذ لا بد من انضاج حالة “توافق” وطني تشكل رافعة وظهيرا لاي خيار تتبناه الدولة، كما لا بد من تقوية الجبهة الداخلية وتحصينها لمنع اي اختراق يستهدفها، اما المسار الثاني فيتعلق بتحديد اولوياتنا الوطنية في المرحلة المقبلة، وعلى اساسها يمكن ان نبني خياراتنا بشكل متوازن ومتنوع بحيث ننأى بانفسنا عن الوقوع في “فخ” الاستقطابات ،مع ضرورة الحفاظ دائما على علاقات وطيدة مع عمقنا العربي، والتركيزعلى اهمية الحلول السياسية كمخرج للازمات بدل / او في موازاة الحلول العسكرية المكلفة وغير المضمونة.
ان افضل ما يمكن ان نفكر به الان هو “الانكفاء” الايجابي بحيث نبقى على الحياد لحين انقشاع الغيوم التي تخيم على المنطقة ، لكن تبقى الارضية التي يجب ان نضع اقدامنا عليها هي “المصلحة الاردنية”، فالمنطقة من حولنا تشتعل ومن المتوقع ان تستمر في اشتعالها لسنوات طويلة مقبلة، فنحن -كما ذكرت اكثر من مرة - امام انفجار “التاريخ” الذي سيمتد الى انفجار جغرافي ديني واجتماعي وسياسي، وعلينا ان ننتبه لمواطئ اقدامنا لكي لا تأخذنا حسابات ردود الافعال الى مفاجأت لا نريدها ولا تخدم مصالحنا..ذلك ان الاهم هو ان نحافظ على وجودنا في منطقة اصبح وجودها في مرمى الخطر.
عن الدستور