ماهر ابو طير
اكثر من تقرير صحافي، في الصحافة الاميركية، اشار مؤخرا، وخلال الاسبوعين الفائتين، الى احتمال شن اسرائيل لحرب ضد حزب الله في لبنان، والتقارير موثقة، ومتتالية، بشكل غريب.
جاء ذلك قبل اسبوعين من استقالة رفيق الحريري، من موقعه من رئاسة الوزراء، والتحليلات تتحدث هنا، عن اكثر من زاوية لهذه الاستقالة، اذ بالاضافة الى المعلومات المتسربة، حول وجود محاولة اغتيال له، الا ان استقالته اخطر بكثير، في دلالاتها، من محاولة الاغتيال فقط.
توقيت الاستقالة، من حيث المغزى ا لاقليمي، مهم جدا، فالحريري يستقيل، في الوقت الذي يظن فيه المعسكر الايراني، وتوابعه في سوريا والعراق ولبنان، انه بدأ يقطف ثمار صبره، طوال السنين الفائتة، وعلى مشارف نهاية تنظيم داعش، كان مفترضا لدى هؤلاء، دخول مرحلة مريحة الى حد ما، على صعيد الاقليم، وبقية القضايا، الا ان استقالة الحريري، اعادت خلط الاوراق اقليميا، عبر لبنان، الذي تتفجر فيه الان اكثر من معركة، معركة تكليف رئيس جديد، اذا تمكن لبنان من ذلك، ومعركة اخرى ضد ايران وحزب الله، بما يعنيه ذلك من ارتداد على سوريا، وبقية المنطقة.
استقالة الحريري ايضا، ربما تستبق ظرفا سيئا ضد لبنان، اي شن حرب ضد حزب الله، بما يجعل الحريري في الاساس لو كان موجودا، في وضع صعب، فهو ضد الوجود الايراني، وتمدد طهران، في المنطقة، وان كانت حكومته قد تعايشت في الاساس، مع رئيس لبناني محسوب على حزب الله، ومع معادلة تقول ان حزب الله هو الاقوى في لبنان.
استباق الحرب المحتملة، بهذه الاستقالة، يعني فعليا ان الحريري لايريد ان يكون موجودا خلال مرحلة محددة، يضطر فيها للدفاع عن ايران عبر بوابة حزب الله، الذي قد يتعرض الى هذه الحرب، وهذا الاحتمال يدفعه الى الابتعاد واخلاء موقعه، ليس لمعرفته، بوجود حرب مقبلة، بل على الاقل من باب الاحتياط، وخلخلة لبنان سياسيا، قبيل الخلخلة الامنية المقبلة على الطريق.
في عنصر مهم، فأن استقالة الحريري، تعني ان المعسكر العربي، الذي يواجه ايران في العراق وسوريا واليمن، مازالت لديه اوراقه القوية، ولايمكن هنا، ان ننكر صلات الحريري بعواصم عربية كبرى، والتي ترى ايضا، ان تحجيم ايران امر مهم جدا، وهو مايتم فعله في ساحات مختلفة، وكما اشرت في البداية، فإن ظن ايران وتوابعها ببدء مرحلة مريحة نسبيا، بعد هزائم داعش، ظن تم تبديده بفتح معركة سياسية في ساحة اساسية لهذا المعسكر، اي لبنان، الذي يجد نفسه اليوم، امام تسخين غير عادي على كل المستويات، يترافق مع اشارات على حرب محتملة من جانب اسرائيل.
هذه الاستقالة، ليست مجرد استقالة عادية، فهي استقالة تتجاوز الشأن اللبناني، بمعناه المحلي، ولها تداعيات اقليمية، كون كل الاطراف سوف تسعى الى توظيف الاستقالة، لاعتبارات مختلفة، تتعلق بوضع الاقليم، وهي ايضا، تشي من جهة اخرى، أن لبنان ذاته يدخل مرحلة سيئة من الصراع السياسي، والمواجهات بين الفرقاء، خلال الفترة المقبلة، بما يراد ان يصب ضد ايران في المحصلة.
اذا افترضنا صحة التقارير الاميركية حول حرب قريبة، تشنها اسرائيل على لبنان، فأن علينا ان نتوقع خلال الفترة المقبلة، حادثا كبيرا تستعمله اسرائيل، لشن هذه الحرب، وبذريعة الرد، والاكثر سوءا في هذا الصدد، ان اي حرب سوف تأتي في ظل فوضى سياسية في لبنان، ووجود فراغ سياسي، بعد استقالة الحريري، وهو فراغ قد يكون مؤهلا للاستمرار، في ظل التوقع بعدم قدرة الرئاسة اللبنانية، والتحالفات السياسية، ومايمثله البرلمان، من تشكيل حكومة جديدة في لبنان.
بلاشك، ان استقالة الحريري، مكلفة جدا، على لبنان والاقليم، وهي ربما الاستقالة الوحيدة في العالم العربي، التي سوف ترتد تداعياتها بما يتجاوز مكانها الاساس، اي لبنان، كونها تعبر عن وضع اقليمي، تتقاطع في كل المعادلات والخيوط، مما يجعلنا نسأل عما سيفعله الفريق الايراني وتوابعه في لبنان، وغيرها، ردا على هذه الخطوة، وماتعنيه على درجات متعددة.
لكن السؤال المعلق يقول: هل هذا المناخ يعد مناسبا فعليا لاسرائيل لشن حرب ضد حزب الله في لبنان، ام ان اسرائيل ستفضل، ان يشن اللبنانيون حربهم ضد بعضهم البعض، بما يرتد على حزب الله ثم ايران، وبشكل مباشر، بينهم، فيما ستتفرج هي على المشهد؟!.
دعونا ننتظر الاجابة.
عن الدستور