ماهر ابو طير
يبدو العراق، اليوم، امام فرصة مختلفة، فرصة لابد للعرب ان يقفوا عندها بشكل جيد، من اجل مساعدة العراق، على العودة الى سياقه العربي، ووقف الازمات في هذا البلد.
رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، شخصية تكاد تكون مختلفة، عن كل الشخصيات العراقية، بعد عام 2003، وبرغم المشاكل الداخلية التي يواجهها من خصومه الداخليين، وتفجر ازمة الاكراد، الا اننا يمكن ان نقول ان عهده شهد امرين مهمين.
أولهما انتهاء الإرهاب وجماعاته في العراق الى حد كبير، مقارنة بتواقيت سابقة، وثانيهما ان العراق ينفتح عربيا، بطريقة جيدة، وهو الذي زار ووفد من حكومته السعودية والأردن ومصر، في الوقت الذي يوازن فيه، ويزور إيران، وتركيا، وهذا الى حد كبير، افضل من الوضع السابق، الذي كانت فيه الحكومات العراقية، حكومات إيرانية بالمعنى الحقيقي.
لابد ان تتم مساعدة العراق، والاقرار بجملة تحولات كبيرة، اذ ان مواصلة الشكوى من العراق باعتباره بات إيرانيا، ومحطة للجماعات الإرهابية، امر غير منطقي، اذ على العرب اليوم، مساعدة العراق بما تعنيه الكلمة، سياسيا واقتصاديا، والوقوف الى جانبه، ومساعدته على التخلص من تعقيدات كثيرة، بدلا من ترك العراق لينعزل ولا يجد الا الحضن الإيراني من جهة، ويواجه الإرهاب وجماعاته، ومخاطر التقسيم بسبب مشروع الاكراد.
زيارات العبادي الى دول عربية سنية، تأتي في توقيت حساس، يتم فيه اتهام الحكومة العراقية، بالتنكيل بالسنة في غرب العراق وبعض المناطق، والعبادي ذاته بحاجة الى مظلة عربية سنية تخفف عنه هذه الاتهامات، مثلما ومن ناحية سياسية، نفترض ان هذه الدول ستكون قادرة على حض العبادي وحكومته ومؤسسات العراق، على تسوية الازمات، ومصالحة المكونات العراقية، بدلا من توظيف الزيارات فقط، لتحسين سمعة الحكومة العراقية وسط العرب السنة، وامام العراقيين السنة حصرا في هذا العالم، اذ لا نريد لهذه الزيارة، ان تكون محاولة لتحسين سمعة الحكومة فقط.
هذا يفرض إجراءات كثيرة من جانب الحكومة العراقية، ويفرض أيضا على الجانب الاخر إضافة الى زيارة العراق، عبر وفود عربية، وتنشيط اللجان المشتركة، بين العراق، ودول عربية، ان يتم وضع اتفاقيات وتنفيذها، وحض القطاع الخاص على التوجه للعراق، ورفع مستوى المشاركة العربية، في كل ما يخص العراق، من نشاطات سياسية واقتصادية وثقافية، وغير ذلك، كما لابد من التحرك باتجاه العراق، وتحفيز قطاعاته على العودة للانفتاح على العالم العربي.
العالم العربي، ضرب سوراً من الحماية حول نفسه، في وجه العراق، بعد ان اعتبر العرب ان العراق تم اختطافه إيرانيا، وتم تحويله الى جسر للمرور الى سوريا ولبنان والبحر الأبيض المتوسط، والواضح ان هذه النظرية أدت الى عزل العراق، بشكل اكبر، وليس امام العرب اليوم، الا استرداد العراق، بكل السبل، وحسن ماتفعله السعودية والأردن والامارات ومصر، ودول أخرى، في هذا الصدد، اذ ان سياسة الإقرار بوجود لاعب إيراني، من جهة، ومزاحمته في ذات مساحته التي يظنها له، مزاحمة مطلوبة بما تعنيه الكلمة، لان العراق نهاية المطاف بلد عربي، وركن أساسي، في الامن الإقليمي العربي.
هذا الانفتاح العربي الجديد على العراق، يتوجب ان لايقف عند حدود الحكومة العراقية، وشخصية مثل حيدر العبادي، اذ ان هناك شخصيات سياسية ودينية وثقافية، وأحزاب وصحافة، وتيارات مختلفة، ووجود رؤية عربية للتعامل مع العراق الجديد، بكل هذه التلوينات، وقبوله على ماهو عليه من مستجدات وتغيرات، خير بكثير، من تركه وحيدا، ليعاد تشكيل هويته الإقليمية، على يد عواصم إقليمية، ولا يمكن الا ان ينجح هذا الجهد نهاية المطاف، حتى لو تأخرت ثماره، لان العراقيين أولا وأخيرا، أبناء المنطقة، وعزلهم سياسيا، بذريعة وجود عاصمة إقليمية حاضنة لنظامهم السياسي، سيؤدي الى كلف اكبر بكثير، من كلف السعي لاسترداد العراق كليا الى العرب، او على الأقل تصنيع معادلة جديدة في العراق، توازن المشهد، امام الإيرانيين والأتراك.
زيارة العبادي الى عمان وعواصم أخرى، زيارة مهمة، ولابد ان يعود العراق الى جواره العربي، وان نحتمل قليلا، الفروقات والمطابقات، ما بين العراق الذي نراه، والعراق الذي نتمناه.
عن الدستور