بقلم: المهدى صالح أحميد
في ساعة متأخرة من الوقت، وتحت جُنح الظلام والناس نيام أمسكت قلمي وقررت أن أكتب عن وطني ليبيا الحبيبة، بعض الكلمات والمعاني، فوقفت عاجزاً عن التعبير والتفكير, وحتى عن سبب كتابتي، هل هو وفاء أو رثاء، هل مدح أو فخر، حاولت أن أجمع كل قواي وأكتب جزءا مما يجول ويدور في خاطري ونفسي، واسترجع ذكريات الماضي والحاضر وأفاق المستقبل وأن أكتب عنه وعن بعض المواقف والمميزات التي يتفرد بها عن كافة الأوطان .
الوطن كلمة بسيطة وحروفها قليلة، ولكنّها تحمل معاني عظيمة وكثيرة نعجز عن حصرها، فهو هويتنا التي نحملها ونفتخر بها، وهو المكان الذي نلجأ له ونحس بالأمان وهو الحضن الدافئ الذي يجمعنا ، وهو نعمة من الله أنعمها علينا ، فيجب علينا أن نحميه وندافع عنه ونفديه بروحنا وأغلى ما نملك ونعمل كيدٍ واحدة لبقائه آمناً وصامداً ، ومهما كتبنا من عبارات وأشعار لا يمكن وصف الحب الذي يكمن بداخلنا، فالوطن هو المكان الذي ولدت فيه وعشت في كنفه وكبرت وترعرعت على أرضه وتحت سمائه واحتميت في أحضانه وهو السند لمن لا ظهر له ، وهو المكان والحدث والزمان الذي نحيا ونموت من أجله ، والذي قد تغادره أقدامنا لكن قلوبنا تظل فيه، ويبقى غاليا على كل من ينتمي إليه، فهو السكن والمأوى والحضن الدافئ هكذا رأيته متميزاً ومثاليا بالقيم والإنسانية وحب الآخرين، ولا يحتاج إي تزكية من أحد لأنه أكبر وأعظم من هذه التزكيات، رأيته كالشمس الساطعة التي تمد ملايين الناس من هذا العالم بالدفء والحنان وبالطاقة المتجددة بالأمل والحياة، وطني يحمل بداخله كل القيم والأعراف والعادات والمعاملات الإنسانية والأخلاقية أكبر مما تحمله الدنيا وما فيها، وترجمة بالقول والفعل على أرض الواقع، وطني كان مدرسة يضرب بها المثل في الأخلاق، والفضيلة والتقافة والدين والتمسك بالتراث.
وطني لم يكن وطناً تقليدياً فهو يختلف ومميزاً عن كافة الأوطان في كل الأشياء، علمني إن سلاح كل إنسان هو الدين والعلم والمعرفة، ورسخ في أذهاننا إن الأهداف النبيلة تحتاج إلى الكثير من التضحيات للحياة .
علمني إن الصبر قوة وشجاعة، ومن يتحلي به في المحن ينال الرضا والسعادة في الدنيا والآخرة، وقدم لنا أعظم الدروس في ذلك بصبره على الكثير من المحن والمصائب، وكان يحبس أحزانه وأنفاسه من أجل أن تستمر الحياة بكل يسر ومرونة، ويتأثر بحزنه و بحزن الآخرين أنه وطني الغالي ليبيا .
علمني أن أُناصر المظلوم، وادعم الضعفاء ولو بكلمة طيبة، وأيضا أن أعيش لقضايا الأمة، ورسخ في ذاكرتي وذاكرة الآخرين، إن من يعيش لنفسه لا قيمة له .
نعم بتفاعله مع من حولنا في مصائبهم وحزنه على ما يحدث في العالم العربي والإسلامي كان له الأثر الطيب والمردود الحسن، كان مناصراً للنضال في الجزائر، وتألم على ما يحدث من مجازر في فلسطين، وصبرا وشاتيلا، وحروب لبنان وغيرها كثر، وطني يحزن لما أصابهم من مصائب ويقف إلى جانبهم ويقدم لهم كافة الدعم ويدعو لهم بالثبات والنصر, فما عهدناه إلا متسامحاً مع كل من حوله، سباقاً للعطاء المادي والمعنوي إن شعر مجرد الشعور أن من حوله في حاجته، علمني وطني المحبة والعطاء والإيجابية، وأن يكون لنا أهدافاً في الحياة وقلبا يسع الجميع، علمني وطني أن الوطنية حب وانتماء وتضحية وعطاء بدون حدود أو شروط، فكان يفتخر دائماً بجهاد أجدادنا أثناء الاستعمار الإيطالي، وحدثنا عن خصالهم وأخلاقهم، ورسخ في داخلنا أن الوطن جزء من شخصيتنا, وأن الغيرة عليه من الخصال البديهية، ويردد لنا دائماً أن الوطن هو ماضي وحاضر ومستقبل، علمني إن الوطن هو صمام الأمان، وهو السد المنيع الذي يحمينا من المؤثرات الخارجية. الوطن لا يحتاج لمساومة، ولا يحتاج لمزايدة، ولا يحتاج لمجادلة، ولا يحتاج لشعارات رنانة، ولا يحتاج لآلاف الكلمات أفعالنا تشير إلى حبنا، حركاتنا تدل عليه ، أصواتنا تنطق به آمالنا تتجه إليه وطموحاتنا ترتبط به .
قد لا نجد انتماءً لإنسان أكثر من انتماء " رسولنا الكريم " حين طرده أهله من مكة وخرج مهاجراً إلى المدينة، فأمسك حفنة من ترابها وقال " والله لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت " ولم يهنأ حتى عاد إليها فاتحاً منتصراً ليستقر هناك، هذا هو وطني ليبيا وترابها الغالي، وهذا قليل من خصالها وأفعالها
وأخيراً : لا نلام لحزننا عليها، وما يحدث فيها من عبتاً وخراباً وضياعاً لهويتها وسلباً لإرادتها وإستيباحاً لسيادتها, بسبب سلوك وتصرف وأفعال ما يفعله سفهاء القوم من وطني ليبيا الجبيبة.
وفي الختام : لا نلام إن بكيناها كرمزً ونبعً للحنان والحب والعطاء، ولا نلام إن بكيناها كمصدرً للدفء والقوة، وقدوة في الصبر والإيجابية في الشدة والرخاء، فبقدر حزني وفخري لك ياوطنى ستبقى أنت الوطن وأتمنى أن أكون مثلك.