د. اسعد عبد الرحمن
في عالم الفساد، تظهر صورة إسرائيل بشكل مغاير، حيث تتصاعد التحقيقات بخصوص روائح فساد تطال رئيس الحكومة الإسرائيلية (بنيامين نتانياهو) وأشخاص مقربين جدا منه.
ورغم مساعي (نتانياهو) لفت الأنظار عن التحقيقات، فإن تكتيكاته وتصعيداته بخصوص «هبة الأقصى» وتجاه قطاع غزة (والتي سخر منها بل أدانها عدد من السياسيين والباحثين والإعلاميين الإسرائيليين) فإن تلك التكتيكات والتصعيدات لم تنجح في تجاوز تلك الروائح والتحقيقات التي لا زالت تتكشف تباعا في أعلى الهرم السياسي والأمني الإسرائيلي، وظلت تحتل عناوين رئيسية في الإعلام الإسرائيلي.
بهذا الشأن، عبر (ايهود باراك) رئيس الوزراء الأسبق، حيث قال: «نتانياهو مستعد أن يشعل الأوضاع في المنطقة من أجل أن يتهرب من التحقيقات الجارية معه حول قضايا فساد. أحداث القدس لمحة بسيطة من سلوك نتانياهو نحو الهاوية».
من جهته كتب المعلق السياسي في «هآرتس» (ألوف بن): «الموسم الحالي لنتانياهو يبدو عاصفا أكثر مما سبق، إنه يسعى لتدمير ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة: الجيش والشرطة والنيابة والمحاكم والإعلام والأكاديميا، وذلك بهدف التهرب من لوائح الاتهام ضده، وضد زوجته، والتي تقوم أساسا على البخل المرضي والغيرة من الأغنياء والتوق لنيل الإعجاب».
وفي ملخص هو الأحدث لقضايا الفساد، نشير إلى أن الشرطة الإسرائيلية اعتقلت اللواء (إليعيزر ماروم) القائد السابق لسلاح البحرية الإسرائيلي، وستة آخرين بينهم مسؤولون حكوميون كبار سابقون يدورون في فلك (نتانياهو)، بشبهة التورط في قضية صفقة شراء غواصات من ألمانيا أو «القضية 3000»، فضلا عن تحقيقين تجريهما الشرطة الإسرائيلية لهما علاقة برئيس الحكومة (نتنياهو): أولها، التحقيق الذي يعرف باسم «القضية 1000» ويتعلق بتلقي (نتانياهو) وزوجته (سارة) هدايا فاخرة، بخلاف القانون، من طرف رجال أعمال.
وثانيها، «القضية 2000»، التي تدور حول شبهات بقيام (نتانياهو) بتقديم عرض إلى مالك وناشر صحيفة «يديعوت أحرونوت» (أرنون موزيس) لمساعدته في تقليص عدد قراء صحيفة «إسرائيل اليوم» المنافسة لـ»يديعوت أحرونوت» مقابل الحصول على تغطية ودية.
وفي هاتين القضيتين، تزايدت الضغوط على (نتانياهو) بعد أن تحول رئيس موظفي مكتب رئيس الحكومة سابقا (آري هارو) إلى «شاهد إثبات» فيهما، متعهدا بمواجهة (نتانياهو) إذا اقتضت الحاجة. في السياق، يعتزم المستشار القضائي للحكومة (أفيحاي مندلبليت) تقديم لائحة اتهام ضد (سارة نتانياهو)، في أربعة ملفات فساد، تتعلق بالاحتيال وإساءة الائتمان، فيما أمرت المحكمة الإسرائيلية العليا (نتانياهو) بالكشف عن المعلومات المتعلقة بمواعيد المكالمات الهاتفية التي جرت بينه وبين كل من مالك «إسرائيل اليوم» (شِلدون إدلسون) ورئيس تحريرها السابق (عاموس ريغف).
وعودة منا إلى «قضية الغواصات»، اعترف وسيط الشركة الألمانية «تيسنكروب» (ميكي غانور) بمعلومات عن صفقات سلاح أخرى صودق عليها خلال السنوات المنصرمة، تم فيها دفع رشاوى لمسؤولين كبار في الحكومة الإسرائيلية، الأمر الذي من شأنه أن يوسع دائرة التحقيقات في القضية. وفي هذا السياق، أكدت صحيفة «هآرتس»: «من المتوقع استدعاء ضباط أنهوا خدمتهم في المنظومة الأمنية أو شغلوا مناصب رفيعة سابقاً، للتحقيق».
ومن جانبه، قال رئيس حزب «يوجد مستقبل» (يائير لبيد): «قضية الغواصات أكبر قضية فساد في تاريخ الدولة.. ما لم يتم إنكاره في هذه القضية هو أن الأموال من وزارة الجيش الإسرائيلية خرجت إلى حساب مصرفي في ألمانيا، وانتقلت من هناك إلى حساب مصرفي سري في ألمانيا، ثم عادت إلى الجيب الخاص لمحامي رئيس الحكومة (ديفيد شيمرون) وهو صديق نتانياهو المفضل وابن عمه، وكل ذلك من دون علم وزير الدفاع والمؤسسة الأمنية».
وفي نطاق التأثير الإعلامي/ السياسي السلبي لهذه التحقيقات على سمعة (نتانياهو)، أظهر استطلاع للرأي أجرته القناة العاشرة الإسرائيلية قبل أيام قليلة، أن «51% لا يصدقون رواية نتانياهو حول التحقيقات التي تجري معه بشبهة ارتكابه مخالفات جنائية في أكثر من قضية، وأن 66% منهم يرون أن عليه الاستقالة في حال تم تقديم لائحة اتهام ضده».
وقبل تسعة أيام فقط، تظاهر (1500) إسرائيلي أمام منزل المستشار القضائي الاسرائيلي (مندلبليت) احتجاجا على بطء اجراءات التحقيق مع (نتانياهو) وسط دعوات لضرورة تسريع الاجراءات واخضاع رئيس الوزراء للاستجواب لمعرفة نتائج التحقيقات بشأن الفساد. بل إنه، على خلفية قضايا الفساد التي يواجهها (نتانياهو)، ترجح أوساط إعلامية تبكير موعد الانتخابات العامة في اسرائيل المزمع عقدها في 2018.
ويعتقد كبير المعلقين للشؤون الحزبية في إسرائيل (يوسي فريتر): «أن يكون 2017 عام تحول قد يؤدي إلى انهيار نتانياهو».
من جانبها، قالت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن (نتانياهو) «يقف أمام ثلاثة سيناريوهات مختلفة مع ازدياد احتمال إدانته: يملك خيار عدم الاستقالة حاليًا، وهو ما يفضله وما سيفعله، أو تنحيته من قبل الوزراء والذهاب لانتخابات مبكرة، أما الثالث فهو انتظار قرار النائب العام، أي الذي من الممكن أن يمتد حتى عام 2018».
واعتبرت الصحيفة أن «السيناريو الثالث هو الأكثر واقعية، والذي بموجبه يستغرق النائب العام ثلاثة حتى ستة أشهر لتقديم توصية بتقديم لائحة اتهام ضد نتانياهو، وهو ما يبقيه في الحكم حتى ربيع 2018».
عن الرأي