بقلم : فــادي محمد الدحدوح
لعل من أهم سمات العصر الراهن، التغير المتسارع في كل مجالات الحياة. إلا أن التسارع الذي طال مجال إنتاج المعرفة الإنسانية والتطبيقات التكنولوجية المترتبة عنها، لم يعد خافيا عن أحد بحيث أدى تنامي إنتاج المعارف إلى ما أصبح يعرف بـالانفجار المعرفي.
ومما يزيد المسألة خطورة، أن المعرفة المنتجة سريعا ما تتقادم لتحل مكانها معرفة من نوع أرقى، من ذلك أن بعض الابتكارات التكنولوجية تصبح متخلفة حتى قبل بلوغها طور الاستخدام، وهذا يؤدي إلى تزايد حاجة المجتمعات إلى المخترعين والمنتجين للمعرفة، وإلى خصوبة الخيال لمواكبة إيقاع التطور المعرفي الراهن، ذلك لأن المعلومات والمهارات والقدرات والكفايات، أصبحت اليوم أكثر ضرورة لبقاء الأمم. فالسوق العالمي لم يبق سوق المنافع والخدمات فقط، بل سوق الأفكار أيضا، تلك الأفكار التي سرعان ما يتجاوزها الزمن ويتحتم تجديدها باستمرار.
وفي ظل الأزمات الراهنة العاصفة بالأمة العربية والإسلامية يتحتم على مؤسساتنا القيادية العامة والخاصة، وصناع القرار الفاعلين إلى رعاية الشباب رعاية تامة وبناء مجتمع معرفي تام لهم في ظل ثورة من الأفكار التي تعصف بكل أطياف المجتمعات العربية.
إن النمو والتطور والابتكار لا يتم إلا بناءً علي فلسفة تضع المحددات والأولويات والقيم . بهذه الخلفية يمكننا القول أن مجتمع المعرفة هو مجتمع الذين يعرفون . والذي يعرف هو ذلكم الراشد الذي يعرف ماذا يريد ويعرف كيف يصل الي ما يريد أو يحقق ما يريد ويعرف كيف يؤمن بعد ذلك ما حقق مما يريد .
فالذي يعرف ما يريد هو الذي يملك فكرة وفلسفة وأهدافاً مبينة يسعي لتحقيقها بناءً علي هذه الفكرة والفلسفة وهذا ما يعرف بالأهداف والخطط الإستراتيجية . أما الذي يعرف كيف يحقق ما يريد هو ذاك الذي يملك تقانات ومهارات ودوافع للإنتاج الأكفأ والقرار الأمثل . ثم أن الذي يعرف كيف يؤمن ما يريد فهو ذاك الذي يملك من القيم الإنسانية الفاضلة التي تضمن الأمن للفرد والأسرة والمجتمع وتاج جميع القيم كما هو معلوم من غير جدل هو العدل و نعني العدل بمفهومه الشامل العدل في السلوك الشخصي والعدل في التعامل مع الآخرين والعدل في توزيع الثروة والعدل بالرضا عن الحكم السياسي والعدل في القضاء بين الناس.
أخيراً: إن ضرورة تكوين أجيال من المبتكرين المنتجين للمعارف يجعل التربية ذات أولوية على التعليم، وإن الأهداف الإستراتيجية ليست احلاماً وآمالاً بل هي تقديرات علمية تبني علي بيانات واقعية وأولويات فكريه وفلسفية فليس الايمان بالتحلي ولا بالتمني كما ورد في الحديث.