إعداد: فادي محمد الدحدوح
إن المؤسسات وقوة تواجدها وتأثيرها
تمثل لبنة أساسية في البناء الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، لما تقدمه من خدمات
وأدوار هامة لصالح الفرد والمجتمع، والمؤسسات ككل الكيانات معرضة بشكل دائم للهزات
والأزمات التي يمكن أن تخلق لها تحديات وصعوبات قد تعرقلها عن تأدية مهامها وبلوغ
أهدافها، فالأزمات تعبر عن حالة من الإدراك والاضطراب أو الشدة كنقطة تحول قد تكون
إلى الأحسن أو الأسوأ، فهي تحمل إمكانية الفرصة والخطر في آن واحد، وهي وليدة
ظروفها الذي توجد فيه سواء كانت على مستوى الفرد أو المجتمع أو المؤسسة أو الدولة.
تعتبر الأزمات المؤسساتية من المواضيع
الهامة التي استقطبت اهتمام الباحثين والمختصين في المجالات الإدارية والتنظيمية،
والأزمات المؤسساتية عادة ما تكون مادة دسمة تنهم منها وسائل الإعلام المختلفة
لتكون الموضوع الرئيسي الذي يتصدر أجندتها الإعلامية خاصة إذا كانت المؤسسة لها
وزنها على المستويين المحلي والدولي، كما أن النظرة السلبية التي ينظر بها إلى
الأزمة التي أصابت المؤسسة سواء من قبل وسائل الإعلام والرأي العام وحتى الإدارة
العليا للمؤسسة هي حقيقة ثابتة ولا مفر منها، فهي نابعة من جملة التحديات التي
تتسبب فيها تلك الأزمات.
على الرغم مما تشكله الأزمات من
تهديدات واضحة على المؤسسة إلا أن هناك اتجاهات بحثية حديثة تدعو إلى تجاوز النظرة
السلبية لتهديدات الأزمة وعدم الوقوف عندها، للتغلب عليها وإبراز مدى الكفاءة وحسن
الإدارة والتفكير العلمي مع مختلف الأزمات التي تتعرض لها المؤسسة، كما أن الأزمات
تمنح بعض الفرص للمؤسسة وجب اغتنامها من أجل تحسين وتطوير بعض الجوانب الهامة
وتحقيق عديد الأهداف. وعليه فإن الإدارة الجيدة للأزمة والتحكم فيها وسرعة
معالجتها يعكس مدى كفاءة وذكاء وجدية وقدرة الطاقم الإداري للمؤسسة في مواجهة
الأزمات التي قد تعترضها، وبالتالي ستصبح طريقة إدارة الأزمة المؤسساتية أنموذجا
يحتذى به من قبل مؤسسات أخرى في حال تعرضها لازمات مستقبلية مشابهة.
إن معظم الأزمات المؤسساتية تحدث فجأة
بشكل غير متوقع خاصة تلك الأزمات المتولدة عن أحداث سياسية أو اقتصادية أو
اجتماعية أو طبيعية وخارجة عن إرادة ونطاق المؤسسة ويتطلب معالجة هذه الأزمات
تدابير وإجراءات استثنائية، وذلك بغرض معالجة الأزمة والحد من انتشارها أو القضاء
عليها. وتتعدد عوامل نشوء وظهور الأزمات المؤسساتية فمنها ما هو داخلي كالعوامل
الداخلية في بيئة المؤسسة ذاتها والأسباب الاقتصادية والتنظيمية والسلوكية
والقانونية. ومنها ما هو خارجي وتتمثل في
الظروف والمتغيرات البيئية الخارجية للمؤسسة، فالصراعات والحروب والتوترات
السياسية سواء الداخلية أو الخارجية تؤثر
على نشاط المؤسسة، كما أن الأزمات الاقتصادية والمالية والصحية العالمية من شأنها
كذلك التسبب في مشاكل وتحديات كبيرة للمؤسسة.
إن إدارة الأزمة المؤسساتية تعني كيفية
التغلب على الأزمة باستخدام الأسلوب الإداري المنهجي العلمي من أجل مواجهة
التحديات والآثار السلبية وتعظيم الفرص
الكامنة بداخلها، عبر استثمار مختلف الجهود والإجراءات والتدابير الإدارية
سواء المعتادة أو الاستثنائية التي تتخذها
المؤسسة عند حدوث الأزمة. ويشمل ذلك عملية التعلم المؤسسي كعملية تقييم شامل لما
حصل من أحداث خلال الأزمة التي مرت بها المؤسسة، ومن ثمّ استخلاص الدروس والعبر
وتتضمن عملية تحديد نقاط قوة المؤسسة وتعزيزها واستثمارها مستقبلا، واكتشاف جوانب
الضعف والقصور فيها خاصة على المستويات الإدارية والتنظيمية والعمل على دراستها
جيدا ومعالجتها وتلافيها مستقبلا.
تختلف الأزمات المؤسساتية حسب طبيعة
الأزمة التي تعصف بالمؤسسات لذلك لا توجد استراتيجية أو أسلوب موحد يمكن الاعتماد
عليه بصفة أساسية لمعالجة الأزمة، فلكل أزمة خصوصية معينة ولكل مؤسسة سياسة إدارية
وتنظيمية تعتمد عليها في تدبير شؤونها، لكن يمكن الجزم بأن هناك بعض الأمور
والمتطلبات الضرورية اللازمة لإدارة الأزمات المؤسساتية وتتمثل هذه المتطلبات في
خلية الأزمة المتمثل في فريق إدارة الأزمة ونظام معلوماتي ونظام اتصالي متكامل.
إن تهديدات الأزمة المؤسساتية تتطلب من المؤسسة
استحداث فريق إداري يتولى مهمة مواجهة الأزمة وإدارتها وذلك للحد من خطورتها والتقليل
من آثارها، وذلك يتم من خلال اعتماد بعض الأساليب والاستراتيجيات المناسبة لخصوصية
الأزمة وملابساتها، ويمكن القول بأن نجاح عملية إدارة الأزمة يعتمد على ثلاثة
متغيرات هامة أولها إنشاء خلية الأزمة بكل ما تتضمنه من عناصر بشرية مؤهلة وأخرى
مادية وتقنية، وثانيها وجود نظام معلوماتي دقيق لسيرورة إدارة الأزمة وبما تتطلبه
من وجود المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات المناسبة، وثالثها اعتماد نظام اتصالي
متكامل وفاعل يتحقق من خلاله التواصل الجيد مع جماهير المؤسسة الداخلي والخارجي
ووسائل الإعلام والرأي العام والجهات ذات العلاقة.
الأزمات تولد جموحا يجبرنا على تعديل تفسيراتنا
للنظم القائمة وبالتالي تعزيز عملية التعلم، فالتعلم يملأ الفراغ الذي يتولد نتيجة
لحدوث الأزمات، وأول خطوة في عملية التعلم هي تحديد نتيجة التعامل مع الأزمة سواء
بالإخفاق أو النجاح؛ ففي حال نجاح المؤسسة في إدارتها للأزمة فهذا يعني نجاعة
استراتيجياتها الإدارية والتنظيمية والاتصالية لذا وجب الاحتفاظ بالسياسات
والاستراتيجيات تلك في ذاكرة المؤسسة، والعمل على تعزيزها وتدعميها، أما في حال
الإخفاق في إدارة الأزمة فلا بد من إعادة النظر في عديد السياسات والاستراتيجيات
المعتمدة من قبل المؤسسة في تدبير شؤونها وبالتالي العمل على معالجة مختلف
الثغرات والقصور والعمل على تلافيها
لاجتناب وقوع المؤسسة في أزمات مستقبلية مشابهة.