بقلم د. مصطفى البرغوثي*
يرتكز المخطط الصهيوني الذي يحاول نتنياهو تنفيذه في الأراضي المحتلة، والذي عملت على إعداده وتطبيقه كافة الحكومات الإسرائيلية السابقة ، على أربعة أمور :
أولا: نشر الإستيطان غير الشرعي، في كل أنحاء الضفة الغربية والقدس ومحيطها، بهدف تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية وتغيير طابعها. وتسعى إسرائيل عبر توسيع مستعمرة معاليه ادوميم في الوسط وغوش عتصيون في الجنوب ومستعمرات نابلس في الشمال الى تجزئة الضفة الغربية الى ثلاث قطع منفصلة مع توسع استعماري رهيب في الأغوار لتهويدها بالكامل وجعلها قطعة رابعة متصلة بإسرائيل . ولا بد من الاشارة هنا الى أن وتيرة الاستيطان منذ انتخب الرئيس ترامب قد ارتفعت بنسبة 70% عن السابق .
ثانيا: فصل الضفة والقدس عن قطاع غزة بالكامل، وكافة إجراءات اسرائيل المتصاعدة منذ وقع إتفاق أوسلو عام 1993 ، وخاصة بعد فرض الحصار الشامل عام 2006، موجهة لخلق واقعين منفصلين وتكريس الفصل الكامل بين المنطقتين ، كأحد عوامل منع قيام دولة فلسطينية مستقلة وأحد أهم عوامل اضعاف العامل الديموغرافي. وكل سياسات اسرائيل وأعوانها الموجهة لتغذية الانقسام بين فتح وحماس ، وإفشال كل جهود المصالحة موجهة كذلك لتحقيق ذات الهدف.
ثالثا: إضعاف حركة التحرر الوطني الفلسطينية، وتحويل معظم مكوناتها الى هياكل سلطة ما زالت تحت الاحتلال، ثم محاولة إضعاف السلطة نفسها تمهيدا لتجزئتها الى سلطات محلية مقسمة، وهذا الهدف لا يخفيه وزراء إسرائيل ، بل يتحدثوا عنه مع ممثلى الدول المختلفة، ومن يريد التأكد من ذلك يستطيع.
رابعا: ممارسة إحباط مسبق لإحتمال أن يعلن الفلسطينيون، في ظل تدمير خيار الدولة الفلسطينية المستقلة، العودة الى هدفهم الأصلي بالمطالبة بالدولة الديمقراطية الواحدة والحقوق المتساوية، من خلال فصل السكان الفلسطينيين عن الأرض ، والحديث عن الحاق سكان الضفة الغربية بالأردن و سكان قطاع غزة بمصر ، أما الأرض فتصبح إسرائيلية ويصبح أهلها الفلسطينيون ضيوفا غرباء غير مرغوب بهم فيها.
الحديث الذي تكرر مرارا على لسان أكثر من مسؤول إسرائيلي ، عن إلحاق أهل الضفة ، وليس الضفة، بالأردن، وقطاع غزة بمصر ليس جديدا ولكنه خطير في ظل الحديث عن مبادرات جديدة لإدارة ترامب، وفي ظل محاولات إسرائيل قلب المبادرة العربية على رأسها وتقديم التطبيع مع الدول العربية على تلبية الحقوق الفلسطينية بل ودون تلبيتها ، والهدف هو تحويل قضية الشعب الفلسطيني من مشكلة إحتلال وإستيطان، واستعمار، وأبارتهايد اسرائيلي، الى مشكلة عربية.
سبق لمناحيم بيغن وشارون وكافة أركان الليكود أن تحدثوا عن الأردن كوطن بديل للفلسطينيين، وقد فشل ذلك المخطط سابقا، لكن المحاولات الجديدة أخطر بكثير.
ولا بد من التصدي لها، ليس فقط فلسطينيا، بل وعربيا وخاصة من الدول التي تريد إسرائيل زعزعة إستقراراها ، أي الأردن ومصر.
ولا بد لكافة الدول العربية أن تصد محاولات التطبيع، وأن تضع حدا بصورة جماعية لمحاولات إسرائيل تحريف وتشويه المبادرة العربية ووضع العرب في تعارض مع الفلسطينيين بدل أن يكونوا داعمين لقضيتهم.
أما على الصعيد الفلسطيني ، فلا بد من وقفة حازمة ، وسريعة تقدر خطورة ما تحاول حكومة نتنياهو تنفيذه. وخاصة في ضوء تعاظم القناعة الشعبية ، بعدم جدوى المراهنة على المفاوضات في ظل الإختلال القائم في ميزان القوى وحالة الإنقسام الخطيرة التي يعاني من آثارها الشعب الفلسطيني .
فليس هناك أمر أهم وأكثر الحاحا الآن من إنهاء الإنقسام القائم، وإنشاء قيادة وطنية فلسطينية موحدة، ببرنامج وطني وإستراتجية موحدة ، ولو إقتضى الأمر الدفع في إتجاه حراك شعبي واسع يضغط لإنهاء الإنقسام وإستعادة الديمقراطية المفقودة ، بما في ذلك إجراء إنتخابات ديمقراطية تعيد الإعتبار لرأي الشعب الفلسطيني، الذي يتحدث الجميع بإسمه ونيابة عنه.
وليس الأمر معقدا إن توفرت النوايا. فقد تم التوافق في إجتماع بيروت قبل أربعة أشهر على تشكيل حكومة وحدة وطنية ، تعمل على توحيد المؤسسات في الضفة والقطاع، وتعد لإجراء انتخابات ديمقراطية على أن يترافق ذلك مع انضواء جميع القوى في منظمة التحرير الفلسطينية تمهيدا لعقد مجلسها الوطني.
هناك هاوية سحيقة تحاول حكومة إسرائيل دفع الشعب الفلسطيني والمحيط العربي اليها، والأمر أخطر بكثير مما يظن معظم المستكينين إلى رتابة الوضع القائم.
وما يجب أن يدركه الجميع، أن الكارثة إن حدثت، فإنها لن تستثني أحدا، ولن ينفع الندم أحدا بعد فوات الأوان.
* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية