حسين الرواشدة
مشهد اخواننا الاعزاء , رجال ونساء السير , المكلفين بضبط المخالفات في شوارعنا اصبح مألوفا , ومع بالغ التقدير والاحترام لتعبهم وجهودهم فانهم ينفذون مقررات جاهزة , لكن ما هكذا تمرر المخالفات , ولا هكذا نردع السائقين عن الاصطفاف في اماكن غير مسموح بها او عن عدم الالتزام بتعليمات السير على الطرقات .
امس , وفي طريقي للصحيفة , انتشر عدد من رقيبات السير في شارع المدينة المنورة , وفي يد كل واحدة منهن “ دفتر “ مخالفات , لم يكن هناك ازمة سير , لكن يبدو ان الشارع كغيره من شوارع العاصمة والمحافظات الاخرى اخذ نصيبه من رقباء السير وكأن المقصود – لا اجزم – هو تسجيل اكبر عدد من المخالفات .
قبل اسبوع مثلا كنت احاول ان اوقف سيارتي في احد الشوارع الفرعية , كان رقيب السير واقفا على بعد امتار , فطلب مني ان اصحح الاصطفاف , وحين فعلت , سالته : هل وقوفي هذا مناسب ؟ , هز راسه فذهبت لاشتري بعض الاغراض , لم يستغرق غيابي اكثر من 10 دقائق , ولكنني حين عدت , وجدت مخالفة غيايبة على زجاج السيارة , حاولت ان ابحث عن الرجل فلم اجده .
على ماذا تستند “ فلسفة “ مخالفات المرور والسير ؟ الاجابة المفترضة انها تستند على قاعدة الحفاظ على امن المواطنين وسلامتهم وحريتهم في الحركة على الطريق بلا اخطار ولا عوائق , وبالتالي فان المقصود من المخالفة هو “ انفاذ “ القانون بما يحقق مصلحة ويدفع ضررا , وعلى ضوء ذلك , يقدر رقيب السير اولويات المخالفة وفقا لروح القانون , فلا يعقل ان يغض الطرف على مخالفات جسيمة قد تسبب كوارث للمارة او للسائقين كقطع اشارة حمراء او تغير السائقين للمسرب بشكل خاطئ , او عدم التزام مركبات الشحن بالسير على الجانب الايمن من الطريق , فيما يترصد فقط السيارات التي تصطف خارج شارع فرعي , او على جانب الطريق بصورة لا تعطل حركة السير .
من المفارقات هنا ان من يراجع دائرة الترخيص لتجديد رخصته سيفاجأ بما على سيارته من مخالفات غيابية , وحين يفكر بان يذهب لمحكمة الامانة ويطعن في المخالفة يتذكر بان الرحلة ستكون طويلة , فيدفع المطلوب ويكتم غيظه , مع انه يعر ف انه في السنة القادمة سيفاجأ ايضا بقائمة من المخالفات الغيابية .
من المفارقات ثانيا ان سؤال “ تكسير “ الكاميرات من قبل بعض الاشخاص في عدة محافظات لم يحظ بما يستحقه من نقاش موضوعي , صحيح ان ما جرى مرفوض ومدان , لكن الصحيح ايضا ان رسالة تراجع الثقة بين المواطن والمسؤول فيما يتعلق بما يفرض عليه من مقررات وضرائب ومخالفات كان يجب ان يجري استقبالها وتحليلها , كما ان مواقف المواطنين واتجاهاتهم تجاه مسألة المخالفة باعتبارها نوعا من الجباية كان يفترض ان تواجه بردود مقنعة من قبل الجهات المعنية .
من المفارقات ثالثا ان امانة عمان وغيرها من البلديات التي من واجبها ان توفر مواقف مجانية او مدفوعة الاجر لسيارات المواطنين استقالت من هذه المهمة , وركزت مجهودها فقط على المخالفات وكان يمكن ان تخصص جزءا من مردود هذه المخالفات لهذه الغاية .
من المفارقات رابعا ان تصاعد حدة المخالفات وايراداتها ايضا (وهي بعشرات الملايين) لم يتواز مع انخفاض حوادث السير , بل ان كوارث الطرقات ازدادت بشكل ملحوظ , وخاصة على الطرقات الخارجية , فيما لم نسمع عن دراسة علمية معتبرة , تقدم لنا معلومات دقيقة حول معادلة المخالفات وخرائط حوادث السير , وما اذا كان المقصود من نصب الكاميرات وتحرير المخالفات هو نقاط محددة لها علاقة بالحوادث ام لا ؟.
تبقى ملاحظة اخيرة وهي ان دائرة السير التي تقدم جهودا مشكورة في ضبط حركة المرور , وتحرير المخالفات , وغير ذلك من الواجبات , مطالبة ايضا الانفتاح على المجتمع على اساس الشراكة , وبمنطق الحوار والتفاعل , ليس فقط لاقناع المواطنين بتعاليمها واجراءاتها وانما لمعرفة ردودهم واقتراحاتهم عليها , ثم الاستجابة لما يخدم المجتمع ويسهل تطبيق القانون ويضمن السلامة للجميع .
عن الدستور