بقلم: المحامي حماده أبو نجمة
مع التأجيل الأخير لاجتماع اللجنة
الثلاثية لشؤون العمل حول الحد الأدنى للأجور، وتزايد الحديث عن احتمال رفع الحد
الأدنى إلى ما يقرب من 280 ديناراً استناداً إلى معدلات التضخم، تبرز الحاجة إلى
توضيح الفرق بين معادلة اعتماد معدل التضخم في حساب الحد الأدنى للأجور، ومعادلة
حسابه بناء على تكاليف المعيشة، وفق ما يتطلبه قانون العمل.
إن الاعتماد على معدل التضخم لاحتساب
الزيادة يعني الأخذ بالارتفاع في الأسعار العامة للسلع والخدمات، الذي بلغ معدله
في السنوات الثلاث الأخيرة حوالي 9% (4.23% لعام 2022، و2.08% لعام 2023،
والتوقعات تشير إلى 2% لعام 2024). وإذا اعتمدنا هذه النسب، فإن الزيادة المقترحة
على الحد الأدنى للأجور ستكون حوالي 21 ديناراً.
لكن المادة 52 من قانون العمل تنص
بوضوح على أن حساب الحد الأدنى للأجور يجب أن يستند إلى مؤشرات تكاليف المعيشة،
ولم تستخدم عبارة معدلات التضخم، واحتساب الحد الأدنى للأجور بناء على كلف المعيشة
يعني الأخذ بالتكاليف الحقيقية لتلبية الاحتياجات الأساسية للفرد أو الأسرة، مثل
الغذاء، المسكن، المواصلات، الرعاية الصحية، والتعليم. هذه المتطلبات شهدت زيادات
تفوق معدل التضخم العام، فنجد أن تكلفة المعيشة للفرد الواحد دون احتساب الإيجار
تصل حالياً إلى حوالي 350 دينارا شهريا، بينما يتراوح إيجار شقة صغيرة ما بين 200
و300 دينار، وهذا يعني أن لا الأجر الحالي البالغ 260 ديناراً ولا الزيادة
المقترحة إلى 281 ديناراً تقترب من تغطية أدنى هذه المتطلبات الأساسية.
إن تجاهل آلية كلف المعيشة واستبدالها
بمعدل التضخم وحده يغفل حقيقة أن زيادة الأسعار تؤثر سلبا على الفئات الأضعف، مما
يزيد من التحديات المعيشية، وهو ما يتناقض مع متطلبات القانون التي تؤكد على ضرورة
احتساب الحد الأدنى وفق التغيرات في كلفة المعيشة الفعلية.
من المهم أيضاً أن نذكر أن الحد
الأدنى الحالي للأجور، والذي يبلغ 260 ديناراً، قد صدر خلال فترة جائحة كورونا،
وكان متأثراً بتداعياتها وبالتوجه نحو عدم تحميل القطاع الخاص أعباء إضافية. وقد
اتفقت اللجنة الثلاثية في ذلك الوقت على أن يكون القرار مؤقتا وأن تتم مراجعته في
السنة التالية، نظرا للقناعة السائدة بأن المبلغ المعتمد لم يكن كافيا لتلبية
احتياجات العمال الأساسية. ولكن لم تتم هذه المراجعة حتى الآن، مما يجعل البناء
على رقم 260 دينار ثم حساب التضخم للسنوات التالية أمرا غير عادل ولا منطقي، لأنه
بحد ذاته لم يكن متناسباً مع متطلبات كلف المعيشة في ذلك الوقت.
من جانب آخر تشير التجارب الدولية إلى
أن من الأفضل أن يعادل الحد الأدنى للأجور ما يزيد على نصف متوسط الأجور السائد في
البلد، وغالبا ما تكون النسبة المثلى حوالي 60%، وبحد أدنى 50%. هذه النسبة تتيح
للفئات الضعيفة من العمال القدرة على تلبية احتياجاتهم الأساسية، وتسهم في تحقيق
نوع من التوازن الاجتماعي وتقليل الفجوات بين الأجور. حيث تشير بيانات الضمان
الاجتماعي إلى أن متوسط الأجر الشهري للمؤمن عليهم بلغ 627 ديناراً في عام 2023،
ما يعني أن الحد الأدنى للأجر اللازم لتحقيق التوازن ينبغي أن يكون ما بين 376
ديناراً و313 ديناراً.
إن زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 300
دينار، كما يطالب الاتحاد العام لنقابات العمال، لن تؤثر سلبا على الاقتصاد
الوطني، ولن تحمل أصحاب العمل أعباء إضافية ملموسة. إذ إن الزيادة على كلف الإنتاج
لن تتجاوز 1.5%، وهي نسبة ضئيلة لا تتسبب في تآكل الأرباح أو تراجع التنافسية. بل
على العكس، فإن هذه الزيادة ستعزز القوة الشرائية لجزء كبير من العمال، مما ينعكس
إيجابيا على الطلب الداخلي والنشاط الاقتصادي، خاصة وأن الدراسات تشير إلى أن
زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 1% يمكن أن ترفع من الاستهلاك الإجمالي بنسبة
تتراوح بين 0.2% إلى 0.5%..
إن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 300
دينار على الأقل لا يجوز أن تكون مجرد خطوة نحو التكيف مع التضخم، بل هو إجراء
لتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية. لذا، ندعو اللجنة الثلاثية والجهات
المختصة إلى تبني سياسات تحترم روح القانون وتضمن حياة كريمة للفئات الأكثر هشاشة،
بما يحقق التوازن بين متطلبات الاقتصاد وحقوق العمال، ويعزز استقرار المجتمع ونموه.
*مدير المركز الأردني
لحقوق العمل "بيت العمال"