بقلم: الدكتور احمد الثوابية*
ايها الطلبه المستضعفون والمظلومون والمقهورون في كل ارجاء المعمورة هاجروا إلى الاردن فإن فيها وزيرا للتربية لا يرسب عنده احد.
هذه العبارة التهكمية غردها المغردون ودونها المدونون على وسائل التواصل الإجتماعي. المشكلة الكبرى أن هذه الوسائل اوهمت العديد من الأشخاص بأنهم اصبحوا فلاسفة عصرهم فهم المنظرون في السياسة، والاقتصاد، والتربية، والإجتماع، والدين، والذرة، واللغة، والطب والصناعة، و....و............
وفي هذا المجال أود كمختص في القياس والتقويم التربوي ولدي خبرة علمية وعملية في مجال التربية تزيد عن (20) عاما، وفي العمل الجامعي الاكاديمي والبحثي ما يزيد عن (10) سنوات ان اضع بين ايديكم وعقولكم وقلوبكم هذه الملاحظات:
ان قرار إعتماد مجموع علامات الطالب في الثانوية العامة كمعيار لإنهاء الطالب لمرحلة الثانوية لم يأت من فراغ وهو ليس اختراع اردني، فهذا النظام في التقويم معمول به في العديد من الدول، وفي العديد من الاختبارات الدولية كإمتحان التوفل واختبارت السات الامريكية، فهذه الاختبارات تعتمد على مجموع علامات الطالب، وليس على المكونات الفرعية للإختبار، كما أن هذا القرار لم يصنع بطريقة فوقية او بيروقراطية، فقد سبق اعتماده مجموعة من الاجراءات الفنية والادارية . فقد التقى معالي وزير التربية والتعليم بمجموعة من الأساتذة المختصين والمنظرين في مجال القياس والتقويم ومجموعة من الفنيين والخبراء من وزارة التربية والتعليم، وتم تدارس هذا الموضوع، والاستماع الى وجهات نظرهم والتي أيدت مثل هذا الاجراء وتلى ذلك اجتماعات للجان المختصة في الوزارة مثل مجلس التربية والتعليم وبناء عليه تم اتخاذ هذا القرار.
إن هذا القرار لن يلغي امتحان الثانوية العامة، ولن ينتقص من هيبته التي أعادها معالي وزير التربية والتعليم الأسبق د.محمد الذنيبات، بل هي خطوة تصحيحية تضع الإمتحان في اطاره النفسي والتربوي الأنسب.
ان نظام المعدل المئوي والإعتماد على المكونات الفرعية للامتحان قد قسم مجتمع الطلبة الى ناجحين بنسبة لا تتعدى (30%) وفاشلين بنسبة تقترب من (70%) وفي ظل ذلك تقام الأفراح والألعاب النارية وطلقات الرصاص التي تقتل الآخرين لطالب ناجحعدله (50) ومجموعه 500 من 1000 بينما جاره الذي حصل على مجموع 900 من 1000 يعيش واهله حاله من الحزن والفشل والكابة فقط لانه ينقصه علامة واحدة في احدى المواد كأن يكون قد حصل على 49 من100 في مادة الثقافة العامة مثلا. وهذه الفئة من الطلبة قد يصيبهم الاحباط،، وتتغير حياتهم بسبب هذه العلامة او بضع العلامات والكل يعرف حالات كثيرة تحطمت حياتهم بسبب ذلك بل لجأ العديد منهم الى الانتحار للاننا وسمناه بالفشل.
ان الهالة العظيمة التي منحناها للثانوية العامة لم تأتي من كونه امتحان نهاية مرحلة يهدف لقياس نتاجات التعلم في المرحلة الثانوية . وانما لما ارتبط بهذا الامتحان من وظائف لم يعد اصلا لها ، فالامتحان اصبح يستخدم كمعيار وحيد للقبول في معظم الجامعات وفي معظم التخصصات الجامعية، كما انه معيار للتعيين والتوظيف، إن هذه الاستخدامات اعطت لهذا المتحان هذه القيمة المضافة فاصبح مصدرا للخوف والرهبة والتهديد وخرج عن كونه امتحانا مدرسيا كغيره من الامتحانات، وأكاد اجزم بان وزارة التربية والتعليم هي الأقل انتفاعا بنتائج هذه الامتحان.
يشير الأدب التربوي ان عمليات القياس والتقويم النفسي والتربوي للسمات البشرية يرافقها خطأ في النفسي والتربوي للسمات البشرية يرافقها خطأ في القياس من الصعب التكهن به او تجنبه وهذا الخطأ يرافق كل عمليات القياس ابتداء من تصميم ادوات القياس واخراجها مروراً بعمليات التطبيق وانتهاء بعمليات التصحيح واستخراج النتائج وتفسيرها. وبالتالي كم من طالب ظلمناه عندما وسمناه بالفشل لان علامته 49 % او 45 % او حتى 90 % وكم من طالب تأثر بالجو النفسي الناجم عن مراقب لم يراعي ظروف الطالب النفسية . وكم من طالب تأثر أداءه بحاله مرضية مرت به ليلة او يوم الامتحان . كل ذلك وغيره يدعونا لأن نراعي ظروف الطلبة ولا نعتمد على نقطة قطع (علامة نجاح) تصنف البشر الى ناجحين وفاشلين.
وانطلاقا من ذلك فاني كمختص اشد على يد معالي وزير التربية والتعليم وادعوه الى:
إعادة النظر في عدد المباحث الدراسية التي يتقدم لها الطالب الى امتحان الثانوية العامة ولنا في البرامج الدولية شاهد دليل.
زيادة الإهتمام بالتقويم المدرسي وإعتماده لبعض المباحث الدراسية وللطلبة الذين يرغبون بالالتحاق بكليات المجتمع والتعليم التقني.
زيادة الاهتمام بنوعية أسئلة امتحان الثانوية العامة وان تركز على قضايا التفكير وحل المشكلات وربط المادة العلمية بحياة الطالب والابتعاد عن الاسئلة التي تركز على الصم واسترجاع المادة المتعلمة.
توجيه إنتباه واضعي الأسئلة والمصححين الى ضرورة عدم التقيد بحرفية الاجابة والتركيز على المعنى الصحيح الذي يشير الى الاجابة الصحيحة بحيث يكون للاسئلة نموذج اجابة وليست اجابة نموذجية.
وفي النهاية اتمنى ان تعمل اجهزة الوزارة على الغاء مراسم اعلان نتائج التوجيهي وان توضع آليه تشبه ما تقوم به الجامعات حيث يتم الحصول على العلامات لكل مبحث فور الانتهاء من تصحيحه وبعد ان تنتهي كل الامتحانات يحصل الطالب على كشف العلامات الذي يبين العلامات التي حصل عليها الطالب ومجموع علاماته الكلي دون ان يكون لدينا يوما قوميا لإعلان نتائج التوجيهي.
إن كل تغيير سيواجه من قبل فئة من المضللين والمشككين ومن يضعون العصا في الدولاب ليعرقلوا الافكار البناءة ويبقون القديم على قدمه. ولا يعني ذلك بان هذه الاجراءات هي الأمثل بل هي خطوة في الطريق نحو الأفضل فهذه الاجراءات لها من الايجابيات الشيء الكثير وستعتريها عدد من السلبيات التي يجب ان نسعى لحلها.
وفي النهاية اوجه تحية اجلال وتقدير لكل من يحملون لواء التغيير الايجابي ويسعون لمنحنا راحة نفسية ويبعدونا عن التوتر والفشل والقلق.
* استاذ القياس والتقويم وعلم النفس التربوي جامعة الطفيلة التقنية.