بقلم: محمود عبد العال فراج
كثيرا ما نسمع عن الأسواق المالية
العالمية، إذ يراقب عديد من المحللين والمراقبين الاقتصاديين عن كثب مستويات أداء
الأسواق العالمية وتوقعاتها للفترات المستقبلية، وما هي تأثيرات هذه المؤشرات على
الاقتصاد العالمي، بل وتخصيص كل أو معظم القنوات الإخبارية بمختلف توجهاتها
التحريرية جزء من نشراتها الإخبارية للتغطية الاقتصادية والأسواق المالية، بل إن
كثيرا من الأعمال المالية والنشاط الاقتصادي على مستوى العالم، يرتبط بأداء هذه
الأسواق، وكثيرا ما تنشط شركات متعددة في الاستفادة من تحليل أداء الأسواق لتشكيل
أو تكوين أو خلق نشاط خاص بها عبر تحليل المؤشرات المالية العالمية، كأداء
التوقعات والأداء المرتبط بالمعادن، كالذهب وغيره من المعادن، والأخير ينشط في
تحليل الأسواق المرتبطة بأداء السلع على المستوى العالمي، كأداء سلعة الكاكاو التي
فاق أداؤها في الفترات الأخيرة من ناحية العوائد قطاعي النفط والمعادن، ومن ذلك
ندرك أن معظم أنشطة الأفراد والشركات يرتبط بتحليل أداء أسواق المال والاقتصاد
العالمية، لكن ما المقصود بهذه الأسواق، وكيف نشأت وما هي آلية أدائها، هذا ما
نحاول أن نستعرض في هذا المقال.
تحليل أسواق المال العالمية أمر في
غاية الأهمية، لأنه يساعد على فهم وتقييم الأحوال الاقتصادية والمالية في العالم
ويساعد في تقييم وتقدير العوامل التي تؤثر في تسعير الأصول المالية وتوقع تطورات
السوق، كي يتمكن متخذ القرار من اتخاذ قرارات استثمارية صحيحة ومن ضمن ذلك التعرف
على الظروف المحيطة بتلك الأسواق بمختلف أشكالها وأنواعها وتوزيعاته الجغرافية، عن
طريق استخدام طرق وأدوات التحليل، لدراسة مدى قوة وتطور الاقتصادات العالمية،
وکذلك تداخل العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على الأسواق
المالية، هذه التحليلات تسمح للمتداولين والمستثمرين باتخاذ قرارات على قدر كبير
من الدقة عند شراء أو بيع الأصول المالية وتطبيق استراتيجيات الاستثمار المناسبة
في الأسواق العالمية.
يعود تاريخ أسواق المال إلی حقبة زمنية
قديمة نوعا ما، إذ نشأت أولى البورصات بالمعنى المتعارف عليه في العصور القديمة،
إذ كانت أول بورصة تأسست في العالم في هولندا في القرن السابع عشر، تحت اسم بورصة
توليب، وتطورت الفكرة عبر العصور المتتالية لتكون بورصة وول ستريت في نيويورك في
القرن الثامن عشر لتصبح أحد أكبر وأهم الأسواق المالية في العالم.
هنالك العديد من العوامل التي تؤثر في أسواق المال وتعد من العوامل الحاسمة في
تحليل وتقييم الوضعية الاقتصادية للدول وتوجهات الأسواق المالية العالمية، تشمل
هذه العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ يتأثر أداء هذه الأسواق
والأحوال والأوضاع السياسية في الدولة المعنية؛ فعندما تشهد البلدان حروبًا أو
صراعات سياسية، يتراجع الاستثمار ويتدهور أداء السوق المالية، لأن العوامل
السياسية تلعب دورًا حاسمًا في تحديد
اتجاهات أسواق المال، فعلى سبيل المثال عندما
تشهد البلدان استقرارًا سياسيا عندها تتطور الأسواق ويتطور أداؤها العام
على نحو ينعكس بصورة إيجابية على الأداء الاقتصادي للدولة المعنية، وبما يساهم في
زيادة الدخل والناتج القومي للدولة، وبالتالي كلما كانت الظروف السياسية مواتية
فإنها تساعد في ترقية أداء الأسواق بشكل عام والأسواق المالية بشكل خاص، كما أن
الاستقرار السياسي من شأنه دعم وزيادة الثقة في النظام المالي والاقتصادي للدولة،
ويرتبط معها بعلاقة طردية والعكس صحيح، فإذا كانت الأوضاع السياسية غير مستقرة،
فإن ذلك وبلا شك سيؤثر سلبا على أداء الأسواق المالية ودورها في تنمية وترقية
أدائها، بالإضافة إلى ذلك تتأثر أسواق المال بالمتغيرات الاقتصادية مثل النمو
الاقتصادي ومعدلات التضخم والفائدة، إذ تعد العوامل الاقتصادية أحد العوامل
الرئيسية التي تؤثر في أداء أسواق المال، فعندما يشهد الاقتصاد نموًا قويًا
ومستدامًا، يزيد الاستثمار وتزدهر السوق المالية.
وعلى العكس، عندما يواجه الاقتصاد
تباطؤًا أو ركودًا، تنخفض الثقة ويتراجع الاستثمار ويتدهور السوق، وفي الوقت نفسه
تلعب معدلات التضخم والفائدة أيضًا دورًا مهمًّا في توجهات المستثمرين، إذ تؤثر
على قرارات الاستثمار وتحقيق العوائد، لذلك يجب على المحللين الاقتصاديين مراقبة
وتحليل هذه العوامل بعناية لفهم وتوقع تطورات أسواق المال العالمية، كما تلعب
العوامل الاجتماعية دورًا في توجهات المستثمرين وثقتهم في السوق، ذلك أن العوامل الاجتماعية تؤثر في سلوك المستثمرين
وثقتهم في السوق المالية، فعلى سبيل المثال، يتأثر الاستثمار بالاستقرار الاجتماعي
في الدولة المعنية، لذلك يفضل المستثمرون الاستثمار في بيئة آمنة ومستقرة، إذ تكون
قواعد القانون وحماية الملكية مضمونة.
بالإضافة إلى ذلك، تؤثر القضايا
الاجتماعية والثقافية على اتجاهات الاستثمار واختيار الأصول المالية، على سبيل
المثال، تزداد شعبية الاستثمار في الأصول المالية المستدامة في تلك الدول المهتمة
بالمسائل البيئية والاجتماعية، لذلك فإن تحليل العوامل الاجتماعية يساعد في فهم
سلوك المستثمرين وتوجهات السوق، بالإضافة إلى توفير رؤى مهمة لمحللي السوق
والمستثمرين.
تتنوع وتتعدد الأسواق المالية، إلا أن
أشهرها على الإطلاق أسواق المال، وتشمل ثلاثة أنواع رئيسية لأسواق المال، وهي
أسواق الأسهم وأسواق السلع وأسواق العملات.
تُعد أسواق الأسهم مكانًا لتداول أسهم
الشركات المساهمة، في حين تُركّز أسواق السلع على تداول المواد الخام والسلع
الاستهلاكية.
أما أسواق العملات فتعد مكانًا لتداول
الأموال والعملات الأجنبية، وتوفر هذه الأنواع المختلفة من أسواق المال فرصًا
للمستثمرين وتلبية احتياجاتهم المالية المتنوعة.
تُعد سوق الأسهم واحدة من أنواع أسواق
المال الرئيسية، إذ تعرف الأسهم بأنها حصص متساوية في رأس مال الشركات المساهمة،
سواء كانت شركات عامة أو خاصة، وتُعد وسيلة للاستثمار والمضاربة في السوق وفيها
تُشترى الأسهم وتباع عن طريق التداول في بورصات الأسهم، وتحظى بشعبية كبيرة بين
المستثمرين، وتتأثر أسعار الأسهم بعديد من العوامل مثل نتائج الشركة والعوامل
الاقتصادية والسياسية، ويعد تحليل أداء الأسهم وتوقع حركة أسعارها جزءًا حاسمًا من
تحليل أسواق المال.
تُعد أسواق السلع من أهم أنواع أسواق
المال، وتشمل أسواق السلع تداول المواد الخام والسلع الاستهلاكية، مثل النفط
والذهب والحبوب، وتلعب أسواق السلع دورًا حيويا في الاقتصاد العالمي، إذ تؤثر
أسعار السلع على تكاليف الإنتاج وأسعار المنتجات المنتجة، ويعتمد أداء أسواق السلع
على العديد من العوامل، مثل العرض والطلب والأحداث العالمية، إذ يستخدم المستثمرون
تحليل أسواق السلع لاتخاذ قرارات الاستثمار وتحقيق العادات.
كما تشكل أسواق العملات جزءًا مهما من
أسواق المال العالمية، وتُستخدم أسواق العملات لتداول العملات الأجنبية والأموال،
وتتحدد قيمة العملات بناءً على العرض والطلب والعوامل الاقتصادية والسياسية،
وتتميز أسواق العملات بكونها سوقًا مفتوحة ومتاحة على مدار الساعة، مما يوفر فرصًا
مستمرة للتداول، ويقوم المستثمرون والتجار بتحليل حركة أسعار العملات والتوقعات
الاقتصادية لاتخاذ قرارات الاستثمار وتحقيق الأرباح.
يشير تحليل الأسواق المالية إلى دراسة
وتقييم أداء الأسواق المالية العالمية، وبشكل عام يهدف هذا التحليل إلى فهم مجموعة
من العوامل التي تؤثر في حركة الأسواق المالية مثل العوامل الاقتصادية والسياسية
والاجتماعية، إذ يتضمن هذا التحليل تقييما للمؤشرات المالية المختلفة واستراتيجيات
التداول المستخدمة في الأسواق المالية، كما يساعد هذا التحليل في اتخاذ القرارات
الاستثمارية الذكية وفهم التوجهات العامة للأسواق المالية.
يعد التحليل الفني من أهم أنواع التحليل المستخدمة في تحليل الأسواق المالية، إذ يركز هذا
التحليل على دراسة تاريخ أداء الأسهم
والأسواق المالية واستخدام الرسوم البيانية والأنماط لتحديد الاتجاهات المستقبلية
للأسعار، ويعتمد على افتراض أن الأداء التاريخي للسوق قادر على إعطاء تلميحات
ومؤشرات على الأداء المستقبلي للسوق نفسه، وبذلك فإن هذا التحليل يمكن المستثمرين
من اتخاذ القرارات الاستثمارية الصحيحة والقائمة على أسس علمية صحيحة في اتخاذ
قرارات بيع أو شراء الأسهم أو الأصول المالية الأخرى، وبالتالي يعد هذا التحليل واحدا
من الضرورات المهمة التي تحتاج إلى دراسة عميقة تمكن المتعامل مع هذه الأسواق من
تحليل وتقييم أدائها في الفترات الماضية والتكهن والتنبؤ بأدائها المتوقع في
الفترات المستقبلية، كما يوجد نوع آخر من التحليل، وهو التحليل الأساسي، وهو أحد
الأساليب المستخدمة في تحليل الأسواق المالية ويهدف هذا التحليل إلى تقييم الأصول
المالية باستخدام عوامل أساسية مثل الأداء المالي والتوزيعات النقدية وتحركات
السوق وتقييم الشركات، ويتعامل التحليل الأساسي مع المعلومات الكمية والكيفية للوصول إلى تقدير
دقيق لقيمة الأصول المالية، ويساعد التحليل الأساسي المستثمرين على اتخاذ القرارات
الاستثمارية الأكثر دقةً وتحقيقا للأرباح.
والنوع الآخر من أنواع التحليلات
المستخدمة لتقييم وتحليل أداء الأسواق المالية هو التحليل الكمي، وهو
نهج رياضي یستخدم في تحليل الأسواق المالية، ووفقا لهذا التحليل فإنه يتم
يجري استخدام عديد من النماذج الرياضية والإحصائية والتقنيات الرياضية الأخرى
لتحليل الأداء المالي وتوقع الاتجاهات المستقبلية للأسواق المالية ويتطلب التحليل
الكمي العمل مع البيانات التاريخية وإنشاء نماذج رياضية لتمثيل سلوك الأسواق
المالية، ويستخدم التحليل الكمي أدوات مثل الاحتمالات والإحصاءات لمساعدة
المستثمرين على اتخاذ القرارات المالية الذكية.
تعد المؤشرات المالية أدوات رئيسية
لتحليل أسواق المال العالمية فهي تقيس وتتابع أداء الأسواق المالية على نحو شامل،
وتوفر معلومات مهمة للمستثمرين والمتداولين وتعتمد هذه المؤشرات على مجموعة مختارة
من الشركات أو السلع أو العملات وتستخدم لتحديد التغيرات والاتجاهات في الأسواق
بالاعتماد على بيانات هذه المؤشرات
ويستطيع المتداولون من خلال هذه
المؤشرات اتخاذ القرارات التجارية الحكيمة وتوقع التطورات المستقبلية، وتتنوع المؤشرات
بتنوع الأسواق المعبرة عنها، فنجد على سبيل المثال مؤشر سوق الأسهم، وهو أحد أهم
المؤشرات المالية الرئيسية في أسواق الأسهم، ويظهر هذا المؤشر أداء السوق المالية
للأسهم في بلد معين، ويجري احتسابه عن طريق مراقبة أسعار مجموعة محددة من الأسهم
الممثلة للسوق، ويتعلق تحركه بتغير أسعار هذه الأسهم، ويعد مؤشر سوق الأسهم مؤشرًا
مهمًا لتقييم أداء الاقتصاد وتوجه الاستثمار في البلد المستهدف، في حين أن مؤشر
السلع هو أحد مؤشرات أسواق السلع العالمية، ويهدف هذا المؤشر إلى قياس تطور أسعار
السلع الأساسية في السوق العالمية، ويتأثر
بعوامل العرض والطلب على السلع والتغيرات الجغرافية والتوترات السياسية الطبيعية،
ويُستخدم للاستثمار والتداول، إذ يعكس تحركات الأسعار في أسواق السلع ويوفر
معلومات مهمة للمستثمرين في هذا القطاع، في حين يهدف مؤشر سوق العملات إلى قياس
قوة أو ضعف العملة الوطنية مقابل عملات أخرى في السوق العالمية، ويتأثر هذا المؤشر
بعوامل مثل الفوائد والأحداث الاقتصادية والسياسية والتوقعات الاقتصادية للدول،
ويُعد مؤشر سوق العملات أداة مهمة للتجار والمستثمرين لمعرفة أثر التغيرات في سوق
العملات على الاقتصاد العالمي واتخاذ قرارات الاستثمار الصائبة.