بقلم: مهنا نافع
هي منذ القدم بلاد العرب، أكانوا عرباً
بائدة أم عرب عاربة أم عرب مستعربة، هم كلهم عرب، وأي إنجاز ريادي مهد الطريق
للوصول لأعلى درجات العلوم على اختلافها سواء نسب إليهم أو لأي أحد من عرق آخر كان
يعيش بكرامة وأمن وأمان بين ظهرانيهم يحسب لهم، فحكمتهم وحسن إدارة دولهم بأي مدة
من الفترات الزمنية التي كانت بها تتلألأ عاليا أضواء نجومهم هي من كانت وراء
النجاح لاستيعاب الجميع مهما اختلفت ألوانهم وثقافاتهم.
فقد كان الحرص دائما على تعزيز
الانتماء واللحمة لهوية جامعة يشتق اسمها من اسم الدولة الحاكمة، وتم تحييد كل
الانتماءات الاثنية والقومية والعرقية لا لإنكار وجودها وإنما لحاجة لا بد منها،
وخاصة في البلدان البعيدة التي وصلوا إليها، فأصبحت العربية اللسان هي اللغة
الإنسانية الجامعة، وأصبح الخوض بالأعراق والأصول في المدن والعواصم مجرد حكايات
تتداول بين العامة للتعارف ببعض المناسبات، فالجميع ذاب ببوتقة الإخلاص والانتماء
وعشق المكان الذي يمنحه الحماية والعيش الكريم، ليغدو كيان الفرد في الحي بين
جيرانه كحجر كريم بلوحة فسيفساء جميلة مؤطرة بإحكام.
إلا أن للدول أطوارا متتالية تختلف
أسباب تواليها، وأحد الأسباب لهبوطها للطور الأخير من عمرها كان الأنانية لعشاق
الخسارة، خسارة التنوع المثري للثقافة والعلوم والفنون، أنانية كانت لدى البعض من
العرب في بعض المراحل التي كانت تخبو بها أضواء نجومهم لتخبو معها رجاحة عقولهم،
فبدل السعي وراء العلم والعمل والجد والمثابرة ذهب هؤلاء القلة إلى السعي وراء
الاستئثار بشيء لا يستحقونه من الامتيازات الاجتماعية والوظيفية، وبكل الطرق التي
كانت على حساب تراجع مصالح دولهم كانوا وكل من على شاكلتهم لا يألون جهدا لتحييد
أي من الأعراق المختلفة التي كانت كما ذكرت ذابت ببوتقة الانتماء والإخلاص، لتشعر
هذه الأعراق بالغبن والظلم والإحباط، مما يولد لديها الرغبة في الانسلاخ لتكوين
كياناتهم المنفصلة التي تظن أنها ستسترد حقوقها من خلالها.
وكما كان وسبق كانت كل تلك الانسلاخات
تغذى مباشرة ممن يترقبهم من بعيد وله الكثير من المآرب والمطامع، منتظرا الفرصة
المواتية للتفرد بكل الناتج المجزأ السابق والجديد، وبدل الانتباه لما آلت إليه
الظروف، يستمر هؤلاء عشاق الخسارة بالسير على نفس نهجهم السابق، ولكن هذه المرة
بالاستئثار بالفتات الذي تبقى، ومن ثم حرمان أقرب الناس إليهم وعموم ما تبقى من
أبناء جلدتهم لتكون النتائج الحتمية بعد كل ذلك الفرقة والضعف والهوان، فهي خسارة
عم ظلامها على الجميع، والتي لو تم الوأد بالمهد للفتن ولمن أيقظهم قبل أن يتخذوا
منهم طريقا معبدا بالشوك للوصول لأهدافهم الرخيصة، لما وضع شهود العيان أقلامهم بعد أن خطت بألم وأمل (ونأتي
لنهاية هذا الطور الأخير على أمل أن يبدأ طورا مشرقا جديدا بعد حين).