مؤتمر التعدين الاردني الدولي العاشر ينطلق السبت المقبل الوحدات يفرط بصدارته الآسيوية توقيف موظف سابق في أمانة عمان احتال على مواطن مستثمرًا وظيفته الملك يلتقي في بروكسل أمين عام الناتو ووزراء خارجية الدول الأعضاء فيه نصراوين تعليقا على فصل الجراح : يجب تأييد قرار الفصل بقرار قضائي قطعي من المحكمة الإدارية مصدر رسمي : (حمزة الطوباسي) مرشح الشباب هو من يخلف الجراح إذا قرار الفصل اصبح قطعيا رئيس كوريا الجنوبية يعلن الأحكام العرفية.. والجيش يرفع حالة التأهب أسرة جامعة جرش تنعى عميد كلية تكنولوجيا المعلومات النائب الجراح: قرار فصلي من الحزب مفاجئ وسأطعن به أمام المحكمة الحزبية.. فيديو الصفدي يبحث مع وزير الخارجية التركي والمبعوث الأممي تطورات الأوضاع في سوريا والعدوان على غزة رئيس هيئة الأركان المشتركة يزور واجهتي المنطقتين العسكريتين الشمالية والشرقية وزيرة التنمية ترعى افتتاح أعمال الندوة الإقليمية حول حماية المرأة من العنف الإقتصادي نائب امين عام حزب العمال لـ"الحقيقة الدولية": "الاحتيال" احد أسباب فصل النائب الجراح مدير عام الغذاء والدواء يطلع خلال جولة ميدانية على مشروع بيض المائدة الذكي "خارجية الأعيان" تناقش تطورات الأوضاع في المنطقة

القسم : بوابة الحقيقة
ازدواجية العملة "الدولرة"
نشر بتاريخ : 6/28/2024 4:33:37 PM
د. محمود عبدالعال فرّاج

كثيرًا ما نسمع ونحن مقبلون على موسم الإجازة الصيفية بأنه لا داعٍ لتحويل العملات خلال السفر لوجهات عديدة، والسبب في ذلك أن تلك الوجهات تقبل العملات المختلفة في تعاملاتها اليومية كتركيا، التي تقبل الدولار الأمريكي في تعاملات السياح بديلا عن عملتها الوطنية الليرة التركية، كما أنه مثلا في مملكة البحرين الدخول إلى العديد من المحلات التجارية الصغيرة والتعامل فيها بالدرهم الإماراتي أو الريال السعودي عوضًا عن الدينار البحريني، كما أنه في جمهورية مصر العربية وفي بعض الأماكن السياحية كمدينة شرم الشيخ -على سبيل المثال- تجد أن الدفع قد يتم بالدولار الأمريكي أو اليورو والجنيه المصري، وأيضًا كثيرًا ما يتردد على مسامعنا ظاهرة الدولرة أو ازدواجية العملات،إذن فما المقصود بهذه الظاهرة ولماذا تحدث في دول متعددة من العالم؟

 

التعريف الأقرب هو أن تُستخدم أكثر من عملة بشكل رسمي أو غير رسمي في التعاملات الاقتصادية داخل دولة ما، والسبب أو الأسباب التي تدعم ظهور تلك الظاهرة متعددة وكثيرة، يأتي في مقدمتها عدم الاستقرار الاقتصادي في دولة ما، ووجود مؤشرات مثل التضخم المرتفع أو الانهيار المالي، ما يضطر سكان تلك الدولة لقبول واستخدام عملات أخر ىأكثر استقرارًا نسبيًّا، مقارنةً بعملتهم الوطنية، كالدولار الأمريكي أو اليورو، للحفاظ على قيمة أموالهم، وتفادي فقدان الثقة بالعملة المحلية.

 

إلا أن أمر عدم الاستقرار الاقتصادي هذا لا ينطبق على مملكة البحرين؛ إذ تشهد هذه الدولة الخليجية استقرارًا اقتصاديًّا يشهد له العالم، ولكن يعز ىاستخدام أكثر من عملة في التعاملات اليومية بالمملكة بوصفها مزارًا سياحيًّا للدول المجاورة، كدولة الكويت أو الإمارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية، وتيسيرا لسيولة وتدفق السياح ارتأى معظم العاملين في المجال السياحي أو التجاري بمملكة البحرين، قبول تلك العملات، خاصة في ظل استقرار أسعار صرف عملات الدول الخليجية مقارنة بالدولار الأمريكي.

 

أضف إلى ذلك أن العامل التاريخي يلعب دورًا مهمًّا في هذه الظاهرة، إذ أثر الوجود الاستعماري في بعض البلدان التي كانت للاستعمار الإنجليزي أو الفرنسي أو الإيطالي باستمرار استخدام عملات تلك الدول بعد الاستقلال، بسبب العادات والتجارة مع البلد المستعمر، كما أن بعض الدول من الدول تتبنى حكوماتها سياسات تتيح استخدام العملات الأجنبية لأسباب تجارية أو اقتصادية-كما أسلفنا في مقدمة هذا المقال- لأسباب جذب السياح أو لتسهيل المعاملات التجارية بين تلك الدولة والأسواق التي تستهدفها.

 

كما تلعب التجارة العالمية دورا مهمًّا في وجود هذه الظاهرة، وبخاصة في الدول ذات الاقتصاد المفتوح التي تعتمد على تعاملاتها التجارية الدولية على نحو كبير، وبالتالي فإن استخدام العملات العالمية في تلك التعاملات قد يكون أمرًا منطقيًّا لتفادي تقلبات سعر الصرف وتيسير وتسهيل عمليات التبادل التجاري فيها، وإضافة مرونة على تلك المعاملات، ما قد يفتح أبوابًا لدخول منتجات تلك الدول إلى الأسواق العالمية المستهدفة بسهولة ويسر.

 

أما في الدول التي تشهد تراجعًا اقتصاديًّا أو أزمات اقتصادية ومالية متعددة أو تغييرًا مستمرًّا في سياساتها المالية والنقدية، على نحو يؤدي إلى فقدان الثقة في النظام المالي المصرفي في تلك الدول، وعزوف السكان المحليين عن التعاملات

 

المصرفية، خاصة في تلك الدول التي تشهد تقلبات هائلة في أسعار صرفها، أو تشهد تراجعًا كبيرًا في احتياطاتها النقدية، مثل الجمهورية اللبنانية أو جمهورية السودان مثلا، ما يضطر حكومات تلك الدول إلى وضع قيود للسحب من الأرصدة النقدية للعملاء بالعملة الصعبة، فيكون من الأنسب لشعوب هذه الدول الاستعاضة عن العملات المحلية لدولهم في التعاملات بعملات أخرى عالمية موثوقة، كالدولار الأمريكي أو اليورو أو عملات دول الخليج العربي.

 

كما أنعدم الاستقرار السياسي في بعض الدول أو وجود نزاعات عسكرية تشهدها تلك الدول، كالعراق وليبيا، قد يدفع السكان إلى التخلي عن التعامل بالعملة المحلية والاعتماد في التعاملات التجارية -وحتى اليومية- على العملات الأجنبية، بالإضافة إلى كل تلك الأسباب فإن التحويلات النقدية في الدول التي تعتمد بشكل كبير على التحويلات النقدية من المغتربين، قد تكون العملة الأجنبية أكثر انتشارًا واستخدامًا بسبب تدفق هذه الأموال بعملات أجنبية.

 

بالإضافة لكل ما ذكر، وأحيانًا يمكن أن يكون استخدام عملات متعددة نتيجة للتكامل الاقتصادي الإقليمي، فمثلا في مناطق التجارة الحرة أو الاتحادات النقدية، قد يكون هناك تبنٍّ مشترك لعملة معينة أو استخدام عملات متعددة لتسهيل التجارة بين الدول الأعضاء.

 

تلك الازدواجية أو ثنائية العملات أو تعددها في حالات مختلفة قد يوفر بعض الاستقرار في بعض الحالات، لكنها قد تؤدي أيضًا إلى تعقيدات في السياسة النقدية والتحكم الاقتصادي للحكومة، ما يتطلب استراتيجيات دقيقة لإدارة هذا الوضع، فتلك الحالة قد تخلق آثارًا إيجابية في بعض التطبيقات، ولكنها قد تترك أثرًا سلبيًّا في حالات أخرى، نذكر منها مثلا أن تلك الظاهرة قد تقوض من قدرة الحكومات على إدارة السياسة النقدية وتقللها، لأن جزءًا غير يسير من العملات التي تعتمد عليها تلك الدولة لا يدخل تحت مظلة تلك الدولة، فالسياسة النقدية تُبنى على العرض والطلب، وبالتالي فجميع أدواتها توظف في اتجاه ضبط وخلق نوع من التوازن بين المعروض والمطلوب من العملة المحلية، وبالتالي فاعتماد اقتصاد تلك الدولة على عملة لا يمكنها التحكم في سياسة الطلب والعرض، يؤدي إلى افتقار القدرة على استخدام السياسة النقدية على النحو المطلوب.

 

وفي حين أن استقرار أسعار الصرف قد يعمل على تعزيز التجارة والاستثمار وفتح مزيد من الأسواق، فإن عدم التحكم في أسعار الصرف قد يجعل الاقتصاد الوطني عرضة لصدمات عديدة، وهذا بالتأكيد يعود عندما تكون هناك عملة أجنبية متداولة على نطاق واسع داخل الاقتصاد المحلي لدولة ما، وهو ما يفسره البعض بأن ذلك خسارة للسيادة الوطنية، كما أن ارتباط اقتصاد دولة محددة بعملة أجنبية كالدولار الأمريكي، قد يجعل اقتصاد تلك الدولة رهنًا لأزمات الولايات المتحدة الامريكية، إذ يعد الاعتماد على الدولار مثلا، بمنزلة تهديد للاستقرار المالي في الدولة المعنية إذا تغيرت الظروف الاقتصادية في البلد الأصلي لتلك العملة.

 

مثلًا، تغيرات في سياسات الفائدة أو الأزمات الاقتصادية في الولايات المتحدة يمكن أن تؤثر على نحو غير مباشر على الاقتصادات التي تعتمد على الدولار، كما أن الاعتماد على أكثر من عملة واحدة داخل اقتصاد ما، قد يعمل على زيادة الفجوة الاقتصادية، بحيث يؤدي استخدام العملات الأجنبية على نحو أساسي من قبل النخبة أو الطبقات الغنية، في حين يعتمد باقي السكان على العملة المحلية الأقل قيمة، ما يوسع الفجوة الاقتصادية والاجتماعية، كما أن تلك الحالة تؤثر -وبلا شك- على توازن ميزان المدفوعات، فالاعتماد الكبير على العملات الأجنبية قد يؤثر على ميزان المدفوعات، خاصة إذا كانت الدولة تستورد بكثافة وتصدر على نحو أقل، ما يؤدي إلى نقص دائم في العملات الأجنبية، ولكن بعض المؤيدين والداعمين لفكرة ضرورة تعدد العملات يرون أن تلك الحالة تعمل على استقرار الأسعار في حالات التضخم المرتفع أو عدم استقرار العملة المحلية، من خلال السماح باستخدام العملات الأجنبية الأكثر استقرارًا، بما يحد من تقلبات الأسعار ويعزز الثقة في السوق، كما أن الاعتماد على سياسة الازدواجية من شأنه العمل على زيادة الاستثمار الأجنبي، ويعزون ذلك إلى أن استخدام العملات الأجنبية يلعب دورًا مهمًّا في زيادة قناعات المستثمر الأجنبي على دخول السوق المحلي، نظرًا لأنهم لا يحتاجون للقلق بشأن تقلبات العملة المحلية، كما أن وجود أكثر من عملة متداولة يعمل، وبلا شك، على تشجيع السياحة، وبخاصة إذا كانت العملة الأجنبية مقبولة، بحيث يكون السياح أكثر راحة في الإنفاق، ما يعزز قطاع السياحة ويزيد الإيرادات من هذا القطاع ومملكة البحرين خير مثال في هذا الخصوص.

 

إن ظاهرة الدولرة أو الازدواجية أو ثنائية العملات هي ظاهرة قديمة/جديدة، ولا يمكن لأي محلل أن يقول إنها ظاهرة صحية أو خلاف ذلك، من دون النظر إلى الظروف والدولة التي تتعاطى مع مثل هذه الحالات، أي -وبمعنى آخر-أنه لا يوجد مقياس للحكم على صحة اعتماد تلك السياسة أو عدم اعتمادها دون النظر إلى الأسباب التي دعت إلى اعتمادها من عدمه، وبالتالي يمكن القول إنه وفي بعض الدول قد يكون اعتماد سياسة لتعدد العملات أمرًا مفيدًا لتلك الدولة، في حين أنها مضرة لدولة أخرى، حتى إنه يمكن الحديث عن أن اعتمادها في وقت محدد قد يعود بالنفع، في حين لا يمكن اعتمادها في أوقات أخرى.

 

بالتالي فإن تأييد الظاهرة أو رفضها هو شأن يمكن لمحلل اقتصادي أن يقرأه ويحلله من زوايا مختلفة، تعتمد على الملابسات والظروف التي دعت اقتصاد ما للتعامل مع الحالة، إلا أنه -وبلا شك- توجد استراتيجيات للتعامل مع هذه الحالة وفق الظروف الاقتصادية لتلك الدولة، فيمكن أن تعمل بعض الحكومات على تعزيز الثقة في العملة المحلية من خلال تبني سياسات اقتصادية ونقدية مستقرة لتعزيز الثقة في العملة المحلية، مثل مكافحة التضخم وضمان استقرار سعر الصرف، والعمل على وضع سياسات لتنظيم استخدام العملات الأجنبية، مثل فرض ضوابط على التحويلات المالية واستخدام العملة الأجنبية في المعاملات الكبيرة فقط وتعزيز الاقتصاد المحلي من خلال دعم القطاعات الإنتاجية والصناعات المحلية، يمكن أن يقلل الاعتماد على العملات الأجنبية، كما أن التعاون مع بعض المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للحصول على الدعم الفني والمالي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

 

هذه السياسات المذكورة يمكن للحكومات اعتمادها إذا ارتأت تلك الحكومات ضرورة محاربة أو تقليل الاعتماد على عملات متعددة في اقتصادها الوطني، في حين تضع بعض الدول والحكومات الأخرى ضرورة تشجيع الاعتماد على عملات مختلفة داخل حدودها الجغرافية في حالات محددة، فمثلا الدول التي تعاني من معدلات تضخم مرتفعة أو تقلبات اقتصادية شديدة، يمكن أن يؤدي الاعتماد على العملة المحلية إلى فقدان القيمة بسرعة، في هذه الحالة، يلجأ السكان والشركات إلى استخدام عملات أجنبية أكثر استقرارًا (مثل الدولار الأمريكي أو اليورو) للحفاظ على القوة الشرائية وتفادي فقدان القيمة، أو في بعض الحالات التي تستدعي التقليل من القيود المفروضة على تجارتها الخارجية في محاولة لفتح أسواق جديدة أمام منتجاتها، أو في الحالات التي تتبناها بعض الدول لتشجيع حركة السياحة إليها كما أسلفنا سابقا.

 

ونخلص إلى أن اعتماد أكثر من عملة في اقتصاد ما يؤدي إلى ازدواجية تؤثر على العديد من الجوانب الاقتصادية، هذه الازدواجية تتطلب إدارة دقيقة وسياسات متوازنة للتقليل من تأثيراتها السلبية وتعظيم فوائدها المحتملة، مثل الاستقرار الاقتصادي وزيادة الثقة في النظام المالي.

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023