بقلم: د. منصور
محمد الهزايمة
تكاد حرب
إسرائيل على غزة تُنهي شهرها الثاني، ولا يبدو حتى الأن أن هناك بصيص أمل على
نهايتها، بل لا يستطع أحد أن يتنبأ بسيناريوهات النهاية لها، وما قد تسفر عنه من
نتائج قريبة أو بعيدة الأثر، وينعدم اليقين حول توابعها أو تداعياتها، فما زالت أرقام
الموت وحدها تتصدر أخبارها، كما أن البطش والدمار فيها يطال الشجر والحجر كما الإنسان،
دون رادع من خلق أو ضمير أو قانون، بل يمكن وصفها بحرب المستباح؛ فلا احترام أو قدسية
لنظام عالمي أو قانون دولي أو حتى قيم دينية أو إنسانية.
أجزم
أن العصر الحديث ومنذ عقود لم يشهد لهذه الحرب مثيلا لجهة ارتكاب أبشع الجرائم بحق
المدنيين والأطفال، وكذلك العاملين في شتى المؤسسات التي تنشط في الصراعات، فالموت
يتمدد في الزمان والمكان؛ في البيوت والطرقات في المدارس والمستشفيات ، فأهل غزة
اليوم يهربون من الموت إلى الموت ثم أن المستشفيات والمدارس التي لا يمكن أن تُستهدف
بحال، بل ومن الواجب حمايتها، أصبحت أهدافا مشروعة تتقدم عليها الأهداف السياسية
والعسكرية في زمن يغيب فيه الضمير الإنساني.
تُعد جوانب
كثيرة من هذا الصراع استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، خاصة بعدد الأطفال
الذين يموتون يوميا، وكذلك عدد موظفي الأمم المتحدة الذين لقوا حتفهم، ونسبة لعدد الصحفيين
والعاملين في المجال الصحي والإغاثي وموظفي الأونروا الذين قضوا فيها.
لنأخذ جانب الأطفال
والضحايا المدنيين كمثال على وحشية واستثنائية هذا الصراع عن غيره، إذ تعلن منظمة
الطفولة العالمية أنه يموت أو يُصاب يوميا في هذه الحرب (420) طفلا، وهو رقم يفوق
أي رقم أخر في أي صراع حديث، كما تذكر منظمة الصحة العالمية أنه يولد في غزة (183)
طفل مقابل عدد يفوقه بكثير من الوفيات في مجتمع يتكون في معظمه من الأطفال، حيث
يحدد القانون الدولي سن الطفولة بـ (18) عام.
وقد أفادت منظمة
إنقاذ الطفولة مؤخرا بأنه في عام (2021) بلغ متوسط وفيات وإصابات الأطفال في الصراعات
المختلفة (22) طفلا يوميا، أمّا مع وحشية الاحتلال على غزة فيبلغ (420) طفلا، مما يدلل
على استثنائية وجنونية هذه الحرب.
أما نسبة الذين
قتلوا من المدنيين من النساء والأطفال إلى أعداد البالغين والعسكريين فهم يزيدون عن
الثلثين، بعكس الصراعات الأخرى التي كانت نسبتهم لا تزيد عن (25%) وهو ما يعزز
القول باستثنائية هذه الحرب.
ينطوي هذا الصراع على كل شي مستباح، فلا احترام
للقوانين الدولية ولا الإنسانية ولا حماية للمدنيين خاصة الأطفال منهم من قبل دولة
الاحتلال التي قامت أساسا بقرار من منظمة الأمم المتحدة، لكنها لم تلتزم منذ حينه أي
قرار صادر عنها، ومنها القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن في (15) من الشهر
الجاري الذي يلزمها بوقف إطلاق النار في حربها على غزة، بل وتمارس التنمر اليوم على
أمينها العام.
لقد بلغت
الغطرسة بدولة الاحتلال وحلفائها الراسخين أن يناقشوا إدارة القطاع ما بعد الحرب
قبل وقفها، بتحد للعالم أجمع، فمناقشة وقف إطلاق النار وسقوط الأعداد الكبيرة من
الضحايا من المدنيين والأطفال يوميا وإنهاء أخر احتلال في هذا العالم لا يشغل بالهم،
بل تزيد لديهم شهية القتل، لكن دولة الاحتلال اليوم تمر بظرف عصيب فجمعت الهستريا
إلى الغطرسة، ودلالة ذلك تصريحاتهم الإجرامية من حيث أنهم؛ مرة ينعتون الغزاويين بالحيوانات،
وأخرى يطالبون بمحو غزة بالنووي، وثالثة
يطالبون بتهجير أهلها وتصديرهم إلى خارج وطنهم، مما لا يمكن وصفه بغير الجنون
الهستيري، لكن ما هو يقين اليوم أن ما قبل سبعة أكتوبر مغاير تماما لما بعده، فهل
يدرك المحتلون ذلك؟!.